تضنمت الآثار السابقة بيان أهمية التسليم للقضاء والقدر، وخطورة تسخطه وعدم الرضا به، ولئن كان الرضا بالقضاء المكروه للعبد فيه مشقة على النفس، فقد ذكر السلف ما جعلهم يرضون بذلك، فعروة بن الزبير -رضي اللَّه عنه- خفّف على نفسه مصابه برجله وولده، بما بقي له من سائر جسده، وبقية أولاده، والفضيل رضي بالرزق الذي رضيه اللَّه له، وكذا أبو حازم قَبِلَ العطاء، ورضي بما لم يقسم له من السماء، وذكر عامر بن عبد قيس سبب ذلك أنه ما وجده في القرآن من تكفل اللَّه بالرزق، وأن الأمور كلها بيده فرضي بقسمة اللَّه له، ولشدة حرصهم على تحقيق هذا كان من دعائهم للَّه أن يرضيهم بقضائه، ولما حصلت لهم المصائب فإنهم قابلوها بالتسليم والرضا، ولم يتمنوا على اللَّه زوالها، لأمور هي أعظم من تلك المصائب التي أصيبوا بها، حيث رجوا ثوابها عند اللَّه، أو رأوا خيرا فيها لأنها كانت سبب تفرغهم للطاعة، أو أنهم لم يتيقنوا أين الخير في الصحة أم في العافية ففوَّضوا أمرهم للَّه يختار لهم ما فيه الخير، بل إن إبراهيم التيمي بيّن أن الخير إن لم يكن في القضاء الذي نكرهه، فلن يكون فيما نحب، وقد ذكر ابن عيينة توجيها لذلك بأن ما يكرهه يهيجه على الدعاء -وهو من أجَلِّ العبادات-، أما ما يحب فهو يلهيه، وفي الرضا بالقضاء تفريغ القلب، وقلة الهم وقد ذكر العلماء عدة أسباب تسهل الرضا والتسليم للقدر جمعها شيخ الإسلام الهروي عند كلامه على درجة