تضمنت الآثار الواردة في المطالب السابقة، بيان تحريم الخروج على الحكام، وكل ما يؤدّي إلى ذلك من الأسباب، كالطعن فيهم ومنازعتهم الأمر.
فالطعن في الحكام: هو كما يقال دق لطبول الخروج، ونذير بقرب وقوعه، ولذلك حرص السلف على غلق هذا الباب، وذكروا توجيهات كثيرة، وأبرزوا حِكَمًا متنوعة لذلك، فمن ذلك: أن اللَّه حكم عدل (١)، وقد بيّن ابن سيرين لمن سمعه يسب الحجاج، فكما سيأخذ من الحجاج أو الحاكم الظالم عموما ممن ظلمه، فسيأخذ للحجاج أيضا ممن ظلمه، فالأولى أن يشغل المرء نفسه بما يصلحها، وذكر عمر بن عبد العزيز أمرا آخر، وهو أن المظلوم قد يستوفي حقَّه بكثرة نيله من الظالم، ويكون للظالم الفضل عليه، ولهذا تبرَّأ بسر بن سعيد من تهمة تنقص الخلفاء، فلما أصرَّ الواشي به، دعا عليه فوقع ميتا.
ومنازعتهم الأمر: مذموم غير محمود أبدا، وأنكر ابن عمر -رضي اللَّه عنه- القتال على الملك فلم يحمد الخارج، ولم يغدر بالمبايع، قال ابن عبد البر:"وأما قوله: "وأن لا ننازع الأمر أهله" فاختلف الناس في ذلك؛ فقال
(١) وهذا من أعظم الفقه في باب الأسماء والصفات الذي فقهه سلف هذه الأمة، فأين هذا ممن نسب إليهم زورا مذهب التفويض، فانظر ماذا فهم من صفتي العدل والحكمة، وكيف عصمه ذلك، من الوقوع في الفتن.