الحرام قعودا، فقام رجل نصف وجهه أسود ونصف وجهه أبيض، فقال: أيها الناس اعتبروا بي؛ فإني كنت أتناول الشيخين أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما بسبِّهما، فبينا أنا ذات ليلة في شأني، إذ أتاني آت، فرفع يده، فلطم حُرَّ وجهي فقال: يا عدوّ اللَّه، أي فاسق، أتسبّ أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، فأصبحت وأنا على هذه الحالة" (١).
[التحليل والتعليق]
تضمنت الآثار السابقة النهي عن سب الصحابة رضي اللَّه عنهم، وبيان بعض ما نال من وقع فيهم من العذاب والعقوبة، ومن جميل ما وقع في هذه الآثار نهي الصحابة أنفسهم عن ذلك، رغم ما وقع بين بعضهم من الجفوة، بل رغم ما حصل بينهم من الاقتتال، الذي كانوا فيه متأولين ومجتهدين، رضي اللَّه عنهم وأسكنهم فسيح جناته، فإذا كان هذا حالهم رغم ما كان بينهم، فما بال من وقع فيهم ممن ليس بينه وبينهم إلا كل خير، بل لهم المِنَّة عليه في إسلامه، ولولاهم ما أسلم، وبدون طريقهم لربما كان في دركات جهنم.
فكانوا يقفون في وجه كل واش ومغتاب، وينهونه عن ذلك ويسدون عليه كل باب، كما فعل سعد بمن تكلم في خالد بن الوليد وبيّن
(١) فيه أبو روح لم أعرفه، وأحمد بن عبد الأعلى ذكره ابن حبان في الثقات (٨/ ٨)، وقال عنه: "وكان ممن تفقه على مذهب أهل المدينة ويذب عن أقاويلهم"، العقوبات (١٩٩ - ٢٠٠) رقم (٣١٢).