تضمنت الآثار السابقة التنصيص على إثبات خلق اللَّه لبعض أفعال العباد كمكارم الأخلاق، بل وخلق الخير والشر عموما، كما في موعظة الحسن حيث قال:"نزل بكم الخير والشر من قضائه"، وكذلك أثر عمر ابن الخطاب -رضي اللَّه عنه- فيه تمني الموت حال الجهاد أو طلب الرزق في الأرض، وهذه أعمال خير وبر وطاعة، وهي مخلوقة للَّه، ولهذا تمنى أن يدركه قضاء اللَّه على تلك الحال.
قال ابن القيم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "هذا أمر متفق عليه بين الرسل صلى اللَّه تعالى عليهم وسلم، وعليه اتفقت الكتب الإلهية، والفطر، والعقول، والاعتبار، وخالف في ذلك مجوس الأمة، فأخرجت طاعات ملائكته، وأنبيائه، ورسله، وعباده المؤمنين، وهي أشرف ما في العالم، عن ربوبيته، وتكوينه، ومشيئته، بل جعلوهم هم الخالقون لها، ولا تعلق لها بمشيئته، ولا تدخل تحت قدرته، وكذلك قالوا في جميع أفعال الحيوانات الاختيارية، فعندهم أنه سبحانه لا يقدر أن يهدي ضالا، ولا يضل مهتديا، ولا يقدر أن يجعل المسلم مسلما، والكافر كافرا، والمصلي مصليا، وإنما ذلك بجعلهم أنفسهم كذلك، لا بجعله تعالى، وقد نادى القرآن، بل الكتب السماوية كلها، والسنة، وأدلة التوحيد، والعقول على بطلان قولهم، وصاح بهم أهل العلم والإيمان من أقطار الأرض، وصنف حزب الإسلام، وعصابة الرسول وعسكره، التصانيف في الرد عليهم، وهي