تضمن أثر عثمان -رضي اللَّه عنه- الحث على لزوم جماعة المسلمين، والنهي عن الفرقة والتحزب، وكأنه -رضي اللَّه عنه- تفرّس فيهم ما سيحدث بعد وفاته، ومن فقهه أنه جعل التحزب والتفرق، مقابلا للجماعة؛ فإن لزوم الجماعة عصمة من التفرق والتحزب، وظهور الجماعات والأحزاب في الأمة نذير فرقة وذهاب قوتهم، وتلاشي دولتهم، وهو من الاختلاف:"الذي يوجب الفرقة، والاختلاف، وفساد ذات البين، ويوقع التحزب والتباين. . . ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري، لا بد منه لتفاوت إرادتهم، وأفهامهم، وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض، وعدوانه، وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب، وكل من المختلفين قصده طاعة اللَّه ورسوله، لم يضر ذلك الاختلاف؛ فإنه أمر لا بد منه في النشأة الانسانية، ولكن إذا كان الأصل واحدا، والغاية المطلوبة واحدة، والطريق المسلوكة واحدة، لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافا لا يضر -كما تقدم من اختلاف الصحابة- فإن الأصل الذي بنوا عليه واحد، وهو كتاب اللَّه وسنة رسوله، والقصد واحد وهو طاعة اللَّه ورسوله، والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن والسنة، وتقديمها على كل قول، ورأي، وقياس، وذوق، وسياسة"(١)، وقد حصل ما تفرسه -رضي اللَّه عنه- وذلك: "لما توفي عثمان لم يبق لها
(١) الصواعق المرسلة (٢/ ٥١٤ - ٥٢٠) بتصرف، ذكره في معرض بيان الاختلاف المحمود =