للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[التحليل والتعليق]

تضمنت الآثار السابقة تورع السلف عن فعل أشياء، فالدستوائي والربيع ومالك بن دينار جميعيم تركوا أفعالا لا يوجد نهي صريح خاص عنها، كبناء القبر في البيت، أو تقييد الميت بقيود كهيئة العبد الآبق، أو السكن في الجبانة (١)، ولم يمنعهم من ذلك إلا أنهم لا يعرفونه عمن سبقهم، وهذا المسلك من أهم المسالك التي يجب العناية بتحقيقها؛ فإنه يمنع المسلم من الوقوع في البدع المنهي عنها، ومن مخالفة الشرع من حيث لا يشعر، وقد اشتهر عن الإمام أحمد رحمه اللَّه قوله: "إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام" (٢)، وقال البربهاري رحمه اللَّه: "انظر رحمك اللَّه كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة، فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر، هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو أحد من العلماء؛ فإن أصبت فيه أثرا عنهم فتمسك به، ولا تجاوزه لشيء،


(١) وانظر الاعتصام (٣٩٩)، حيث قال: "ثبت في الأصول أنه لا بد في كل عادي من شائبة التعبد. . . فإن جاء الابتداع في الأمور العادية من ذلك الوجه، صح دخوله في العاديات كالعباديات، وإلا فلا"، قلت: ولعل هذا ملحظ أصحاب هذه الآثار في تركهم ما تركوا، حيث كانوا سيفعلونه على وجه التعبد، ولم يجدوا من تعبد اللَّه بتلك الأساليب فتورعوا عنها واللَّه أعلم.
(٢) مجموع الفتاوى (٢١/ ٢٩١) (٣٢/ ٢٩٧)، إعلام الموقعين (١/ ٣٢) (٤/ ٢٢٢، ٢٦٦)، صفة الفتوى لابن حمدان (٣٠، ١٠٥)، المدخل لابن بدران (١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>