تضمنت الآثار السابقة بيان أثر التفكر والنظر والاعتبار على العبادة، فمعرفة اللَّه والعلم به، والتفكر في ذلك يورث حبة، والرهبة منه، والزهد في الدنيا، والاشتغال بطاعته، والامتناع من معصيته وظلم خلقه، وقد سبق بيان طرق التفكر ومجاريه وفضله، والمراد هنا بيان أنه يورث العمل ويقتضي العبادة، ولهذا كانت الأعمال من علامات المعرفة الحقة، قال ابن القيم:"من علامات المعرفة: الهيبة؛ فكلما ازدادت معرفة العبد بربه ازدادت هيبته له وخشيته إياه. . . ومن عرف اللَّه صفا له العيش، وطابت له الحياة. . . وأورثته المعرفة: الحياء من اللَّه، والتعظيم له والإجلال، والمراقبة والمحبة، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والرضا به، والتسليم لأمره"(١).
وهذا ما يعرف عند العلماء بأن توحيد الربوبية يستلزم توحيد العبودية، فإن السلف وإن لم يتلفظوا بهذه العبارة فإنها مقتضى قولهم، ومؤدى عباراتهم، ولهذا نجد في عباراتهم أنه كلما ازدادت معرفة العبد بربه ازدادت عبادته، ويذكرون أنواعا من العبادات القلبية وغيرها، ولشدة الترابط والتلازم بين هذين الأمرين، فإنه ينعكس ومن هنا كان الخلل في توحيد العبادة، ناتج عن خلل في توحيد الربوبية، قال شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب: "أما توحيد الربوبية فهو الأصل، ولا يغلط في الإلهية