تضمنت الآثار السابقة بيان أسباب الفتن التي تنال الأمة، وبيان الوسيلة الشرعية لعلاجها، حيث ورد فيها أن أهم أسباب الفتن وتسلُّط حكام الجور على الأمة هو ذنوب العباد، فالاستخفاف بحق اللَّه يقابله استخفاف اللَّه بحق العباد، فيغضب عليهم ويسلط عليهم صبيانهم، وجور العمال بشؤم ذنوبهم، وحدوث الفتن، ولذلك تعين أن تقابل هذه العقوبات بالتوبة والتضرع والاستكانة، كما قاله غير واحد من السلف كالفضيل بن عياض والحسن البصري، ولأهمية موضوع الدعاء في دفع الفتن، فقد حمل همّه السلف وتوجهوا به إلى اللَّه في رفع الفتن، حتى إن الحسن ذكر أنهم دعوا للَّه منذ سبعين سنة أن يولي أمرهم خيارهم، ولما رأى الأمر لم يتغير كبير شيء تحسّر من ذلك، فإن كان استجيب لهم فهي مصيبة وأي مصيبة أن يكون أولئك الظلمة هم خيارهم، وإن لم يكن استجيب لهم فهى مصيبة أيضًا فإنهم ليسوا أهلا لذلك، وعدم استجابة الدعاء يوجب النظر في تحقق شروطه، ومن هنا كان هذا منهج السلف في الفتن فإنهم بين ناصح له وداع إليه كما نصح عراك بن خالد من قال له طاب الموت، بقوله:"لساعة تعيش فيها تستغفر اللَّه خير لك من موت الدهر"، وكذا مطرف لما حبس الحجاجُّ مورِّقا، وطلبوا له طرقا لإخراجه فلم يفلحوا، لم يكن منه إلا أن دعا وأمَّن أصحابه فخُلي سبيله، وهكذا من كان يظلم
= الكوفي، ثقة، كما في التقريب (٦٨٦٧)، وانظر التهذيب (٤/ ١٢٩).