تضمنت الآثار السابقة تبرك الصحابة بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إما ببعض بقايا من جسده الشريف كالشعر والأظفار، أو بقايا من ملبوسه كالثوب والبردة، بل حتى من بعدهم من التابعين كما في أثر ثابت الذي كان يقبل يد أنس لأنها مسّت يد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولهذا بوب الإمام البخاري رحمه اللَّه في صحيحه بابا بعنوان:"باب ما ذكر من درع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم تذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته مما يتبرك به أصحابه وغيرهم بعد وفاته"(١).
ويحسن التنبيه في هذا المقام أن هذا التبرك بذات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو مقتنياته رجاء البركة ونحوها هو من خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم- التي لا يشاركه غيره، ولا يجوز قياس غيره من الصالحين عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لاعتبارات كثيرة وأدلة متنوعة؛ لأن هذا القياس معارض بفعل الصحابة رضي اللَّه عنهم وإجماعهم كما قال الشاطبي رحمه اللَّه: "الصحابة رضي اللَّه عنهم بعد موته عليه السلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-، فهو كان خليفته، ولم يُفْعَل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي اللَّه عنهما، وهو كان في الأمة، ثم كذلك عثمان ثم علي ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركًا تبرك