للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحالة الأولى: أن لا يذكر أصلا، لا بسوء ولا بخير، بل يُعزف عنه كُلِّيَةً ما دام حيًّا وإذا مات ماتت معه بدعته، وسلم منه الناس، ولا يلفت نظرهم إليه؛ لأنهم غافلون عنه، وغير منتبهين له، وقد علل ابن دقيق العيد رحمه اللَّه ذلك بقوله: "إخمادا لبدعته وإطفاء لناره" (١)، وهذا مُعْتَمَدُ من منع الرواية عن المبتدع مطلقا -داعية أو غيره-، لأن فيه ترويجا لأمره وتنويها بذكره، قال السخاوي: "وعلى هذا ينبغي أن لا يروى عن مبتدع شيء شاركه فيه غيره" (٢)، وهذا معنى أثر أبي بكر بن عياش: "صاحب السنة إذا مات أحيا اللَّه ذكره، والمبتدع لا يذكر" (٣)، وقد كان ذلك منهجا عاما للسلف كما قال اللالكائى رحمه اللَّه: "لم يكن لهم -أهل البدع- قهرٌ ولا ذلٌّ أعظمَ مما تركهم السلف على تلك الجملة، يموتون من الغيظ كمدا ودَرَدًا (٤)، ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا" (٥).

الحالة الثانية: أن يكون المقام مقام تحذير، وفي هذه الحالة يجب ويتعين أن تُبيَّن بدعة المبتدع، والرَدّ عليه، وكشف عواره، ونشر مثالبه، وكفِّ


(١) انظر فتح المغيث (١/ ٣٢٨)، وتوضيح الأفكار (١/ ٢٣٤).
(٢) فتح المغيث (١/ ٣٢٨).
(٣) أخرجه الترمذي في العلل، انظر شرح علل الترمذي لابن رجب (١/ ٣٥٣).
(٤) يقال: رجل أَدْرَد بين الدَّرَد أي ليس في فمه سِنّ، وكأن المراد أنهم يموتون عِيًّا لا يمكنهم إيصال بدعتهم إلى غيرهم للدَّرَد الذي أصاب أسنانهم، وفاقد الأسنان لا يمكنه الكلام إلا بتكلف وبِعِيِّ ومشقة، ولا يكاد يفهم عنه شيء واللَّه أعلم.
(٥) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (١/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>