به، ومالك بن دينار يسأل اللَّه أن يصلحه لأنه هو الذي أصلح الصالحين، والأعرابي الذي طاف بالبيت ناجى ربه واعترف بأنه أطاعه بإذنه والمنة له، وفي أثر نمير الأشعري توضيح أدق حيث ذكر أن الأدب من الآباء وهو فعلهم وهم سببه، لكن نتيجة ذلك وأثره وهو الصلاح فمن اللَّه، وكذا وراد العجلي يناجي ربه بأن يعينه بتوفيقه لفعل طاعته واجتناب نواهيه، بل إن عمر بن عبد العزيز رغم عدله في الرعية، فإنه خاف أن لا تقوم نفسه بحجتها أمام اللَّه إلا أن يلقنه إياها اللَّه تعالى، وخطبة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- بيّنت أن فعل العبل واستطاعته ليس ممكنا إلا باللَّه، وهكذا بقية الآثار في أن كل خير وفعل حسن فإنه بتوفيق اللَّه ومنه ونعمته على عبده.
ومسألة الهداية والضلال هي: "قلب أبواب القدر ومسائله؛ فإن أفضل ما يقدر اللَّه لعبده، وأجل ما يقسمه له الهدى، وأعظم ما يبتليه به، ويقدره عليه الضلال، وكل نعمة دون نعمة الهدى، وكل مصيبة دون مصيبة الضلال، وقد اتفقت رسل اللَّه من أولهم إلى أخرهم، وكتبه المنزلة عليهم، على أنه سبحانه يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، وأنه من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأن الهدى والإضلال بيده، لا بيد العبد، وأن العبد هو الضال أو المهتدي، فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره، والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه، ولا بد قبل الخوض في تقرير ذلك من ذكر مراتب الهدى والضلال في القرآن؛ فأما مراتب الهدى فأربعة؛ إحداها: الهدى العام، وهو هداية كل نفس إلى مصالح معاشها، وما