للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أثر جابر بيّن أنهم كانوا لا يعدون شيئا من الذنوب كفرا، ولا يخفى ما ورد من النصوص الكثيرة في إطلاق الكفر على بعض الذنوب، فأفاد ذلك أنه ليس كل عمل وصف بالكفر يكون المراد به الكفر الأكبر المخرج من الملة، وكذا أثر الحسن الذي فرَّق بين نفاق التكذيب، ونفاق العمل، أي النفاق الأكبر والأصغر، والمقصود أن الكفر أنواع وليس نوعا واحدا، قال شيخ الإسلام: "إن الظلم يتناول الكفر، ولا يختص بالكفر، بل يتناول ما دونه أيضا، وكلٌّ بحسبه؛ كلفظ الذنب والخطيئة والمعصية، فإن هذا يتناول الكفر والفسوق والعصيان" (١)، وقال ابن القيم: "أصل آخر، وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد، فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند اللَّه، جحودا وعنادا، من أسماء الرب، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، وهذا الكفر يضادّ الإيمان من كلّ وجه.

وأما كفر العمل، فينقسم إلى ما يضادّ الإيمان، وإلى ما لا يضادّه، فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبّه. . . وهذا التفصيل هو قول الصحابة، الذين هم أعلم الأمة بكتاب اللَّه، وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقا أخرجوا من الملّة بالكبائر وقضوا على أصحابها بالخلود في النار، وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان، فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا، وهدى اللَّه أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل، فهاهنا كفرٌ دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وفسوق دون فسوق وظلم دون


(١) الإيمان (٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>