للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٢٩ - حدثني محمد بن أبي يحيى، أن شيخا من ضبّة يكنى أبا الوليد حدّثهم قال: حدثني عبد الواحد بن أبي عبد اللَّه الأسدي: "أن معاوية قال لرجل من كنانة: صف لي عليا، قال: أعفني، قال: لا أعفيك، قال: أما إذ لا بدّ؛ فإنه كان واللَّه بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته، كان واللَّه غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلِّب كفّه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جَشِب (١)، كان واللَّه كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا أتيناه، ويلبّينا إذا دعوناه، ونحن واللَّه مع تقريبه لنا، وقربه منا، لا نكلمه هيبة، ولا نبتدئه تعظمة، فإن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظِّم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد باللَّه لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سرباله، وقد غارت نجومه، وقد مثل في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السَّليم (٢)، ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا، إيَّاي أردت، أم بي تشوَّقت، هيهات هيهات، غُرِّ غيري، لا حان حينُك، قد بَتَتُّكِ ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير،


(١) هو الطعام الغليظ الخشن البين الخشونة، لسان العرب (١/ ٢٦٥).
(٢) تململ على فراشه يَتَمَلْمَل ويَتَمَلَّلُ إذا لم يستقر من الوَجَع كأنه على مَلَّةٍ، مختار الصحاح (٦٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>