القرون المشرقة، والأزمان الفاضلة، وبحمد اللَّه وفضله أنهم نهضوا بهذا الواجب، وسدّوا هذا الجانب، ولم يتركوا ذريعة للمُجانب، يتذرّع بها إلى بدعة ويعاند.
ولا شكّ أن التأليف في كل عصر له ميزاته، ومن أهم ميزات تلك الفترة أن كلام السلف كان قليلا كثير البركة، وعلى قِلَّتِه فإنه مبثوث مفرّق في عدّة أنواع من الكتب، فمنهم من ألف كتبا حسب مواضيع معيّنة كالفقه والأخلاق والاعتقاد، ومنهم من ألف موسوعات كبيرة ضَمَّنَها كثيرًا من الآثار في مختلف العلوم، ككتب التراجم والتواريخ والجرح والتعديل وغير ذلك.
وإن من أولئك السلف الذين اهتموا بالآثار جمعا ودراسة وتصنيفا، الإمام العلامة الذي ذاع صيته وطبَّقَت شهرته وانتشرت كتبه، حتى إنه ليعرفه القاصى والداني، ذلك هو الإمام الهمام ابن أبي الدنيا -رحمه اللَّه-، وهو اسم على مسمّى فقد ملأت الدنيا كتب ابن أبي الدنيا، حيث صنّف كتبا عديدة اشتملت على ثروة أثرية وأقوال سلفية قلّما توجد عند غيره، مع جودة التصنيف وتنوع التأليف، فألف في عدّة أبواب من أبواب العلوم الشرعية، اشتهرت -عند الناس- بأنها كتب زهدية وتآليف وعظية، لكن نظرة عابرة في هذه الكتب تعطي فكرة جديدة وانطباعا مغايرا، دفعاني -مع غيرهما من الأسباب- لأن أجعل موضوع بحثى لمرحلة الدكتوراة -إن شاء اللَّه- في جمع الآثار العقدية الواردة في كتب ابن أبي الدنيا، وذلك لما يلي: