للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مرَّةً يقول، وقد (١) تكلَّم شابٌّ بشيءٍ وهو خارج الحلقة: اسمعُوا ما يقولُ الشَّابُّ، فإنَّه يقول جيدًا. وطال ما يقول: مقالة هذا هي الصواب، مع كونه كان قرَّرَ خلافها رجوعًا منه إلى الحق، وإنصافًا وعدم محاباة.

وحكى لي شيخنا العلامة مفخرُ العصر تقي الدين الشُّمُنِّي، وهو مِنْ تلامذته، قال: كنتُ أحضُرُ عنده بعد أن اشتغلْتُ وفهمت العِلمَ فيكرِمُني، وأفهم أنَّ سببَ ذلك كون والدي مِنْ جماعته، لا لكوني طالبَ علمٍ؛ لأنه لم يكن اطَّلع على ذلك، إلى أن حضرتُ بين يديه مرَّةً على العادة في المحمودية، وقارىءٌ يقرأ عليه حديث "فليَخْلُقوا ذرة وليخْلُقُوا حبَّةً أو شعيرة"، فوقع السؤال عَن الحكمة في التَّرقِّي، كذلك قال: فأجبتُ بأن صُنْعَ (٢) الأشياء الدَّقيقة فيه صعوبةٌ، والأمر لمعنى التَّعجيز، فناسبَ التَّرقِّي مِنَ الأعلى للأدنى. قال: فأعجبه ذلك، وأقبل عليَّ، وصار يلحظُني ويُكرمني ويُصغي لمقالي. رحمه اللَّه.

[[أدبه مع العلماء:]]

وأمَّا كثرة أدبه مع العلماء المتقدِّمين منهُم والمتأخِّرين, فمشهورٌ بحيث كان إذا تعقَّب النَّوويَّ رحمه اللَّه شيء يقول: وعجبتُ للشَّيخ مع سَعَةِ علمه كيف قال كذا، أو ما أشبه ذلك مِنْ العبارات.

وسمعت أنَّه توجَّه مرَّةً هو وقاضي الحنفيَّة الزَّين التَّفهني لإسماع تصنيفه في "مناقب اللَّيث" عند ضريحه، فحصل الابتداءُ بزيارة الإِمام الشَّافعي رضي اللَّه عنه، ثم التوجه بعد ذلك إلى ضريح اللَّيث رضي اللَّه عنه، فقرأ شيخُنا ابنُ خضر "المناقب"، ثم رجعوا، فقال صاحبُ التَّرجمة: أحبُّ أن يكون آخر عهدي بالإمام كما ابتدأتُ بزيارته، ففارقه التَّفهني مِنْ تلك الجهة، واستمر عند الباب الآخر ينتظر شيخَنا حتَّى فرغ مِنَ الزِّيارة، وأنكر بعضُهم سرًّا على التَّفَهْني صنيعه، وكانت مدته بعد قريبه رحمة اللَّه


(١) في (أ): "ولو"، خطأ.
(٢) "صنع" ساقطة مِنْ (أ).