ذلك الوقت الحسنُ إلى البصرة، فسكنها واستمرَّ إلى أن مات، إلا أنه حجَّ في أثناء ذلك، وخرج إلى خراسان في خلافة معاوية رضي اللَّه عنه كاتبًا للربيع بن زياد الحارثي حين استخلفه عبد اللَّه بن عامر على خراسان، وكان أميرَها لمعاوية رضي اللَّه عنه. ثم رجع الحسنُ إلى البصرة، فأقام بها مشتغلًا بالعبادة والقصص على النَّاس وتعليمهم الأحكام الشرعية، ووَليَ القضاء في خلال ذلك في خلافة عمرَ بن عبد العزيز رضي اللَّه عنه مدَّة يسيرة بالبصرة، ثم ترك ذلك، وأقبل على شأنه حتَّى مات.
ومِن حجَّتهم في أنَّه في خلافة عثمان رضي اللَّه عنه لم يكن تصدَّى للاشتغال بالسماع ثم التحديث: أنَّ الجمهورَ أطبقوا على أنه لم يسمع مِنْ أبي هريرة رضي اللَّه عنه، مع أنه في تلك المدَّة كان أبو هريرة رضي اللَّه عنه فيها وفيما بعدها قد تصدى للتحديث، حتى انتهت إليه رحلةُ طُلّاب الحديث لتفرُّده عن أقرانه، لكثرة حديثه وطُولِ عُمره، فلو كان الحسنُ يتشاغل بطلب الحديث، لحصل له عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه الشَّيءُ الكثير، لإقامتهما بالمدينة تلك المدة.
وعلى تقدير التنزُّل، لا يلزَم مِنْ صحة سماعه مِنْ عليٍّ رضي اللَّه عنه لهذا الحديث أنْ يكونَ جميعُ ما نُقِلَ عنه عَنْ علي رضي اللَّه عنه مسموعًا له مِنْ عليٍّ رضي اللَّه عنه، لأنه اشتهر عنه أنه كان يرسِلُ عَن مَنْ عاصرَه، سواءً اجتمع به أم لا.
ومَن هذا سبيله كان ما يرويه بالعَنعَنَةِ عن مِنْ عاصره أو اجتمع به [إمّا مرسلًا](١)، وإما مدلسًا. وكذا القول فى كل مَنِ اختلِفَ فيه ممن روى عنه، هل سمع منه أم لا، كأبي هريرة رضي اللَّه عنه، والعلم عند اللَّه تعالى.
[[خرقة التصوف]]
ومنها أنه سئل عن حديث الخرقة، وما لذلك مِنَ الطُّرق، فقال: إن ذلك ما لم أتشاغل به قطُّ، لتحقُّق بُطلان كلِّ ما ورد في ذلك.