أهلُ الحديث لا يردُ بها الفقيهُ والأصوليُّ الحديث. واحترز بقوله "كثيرًا" عن مَنْ وافقَ المحدِّث في بعض ذلك. وقد نصَّ الشافعي على موافقة أهلِ الحديث في تفسير الشَّاذِّ وفي تقديم الأحفظِ، فقال: ليس الشَّاذُّ أن يروي الثقةُ شيئًا، فينفرد به. الشاذُّ أن يروي شيئًا فيخالِفَ فيه مَنْ هو أرجحُ منه. هذا معنى كلامه.
وقال في خبر احتجَّ به عليه بعضُ أصحاب مالك، لأنَّ مالكًا رواه على وفق ما ذهبوا إليه، فقال له الشافعي: خالفه ستةٌ أو سبعةٌ لقيتُهم متَّفقين على خلافِ ما روى مالك، والعدد الكثير أولى بالحفظ مِنَ الواحد، وقرَّره بعض أصحابه بأنَّ ردَّ قولِ الجماعة بقولِ الواحد بعيدٌ، مع أن تطرُّقَ السَّهو إلى الواحد أقربُ مِنْ تطرُّقِه إلى العدد الكثير، ومِنْ ثمَّ اشترط في قبول شهادة المرأة أن يُضم إليها أخرى ليتعاونا على ضبط ما يشهدان به، لأنَّ تطرُّقَ السَّهو إلى المرأة أكثرُ مِنْ تطرُّقه إلى الرجل لنقصها.
وقد وافق بعضُ أهلِ الأصول والفقه هذه القاعدة في بعض الصُّوَرِ، وهي ما إذا اتحد مجلس التحديث، كما لو سمع جماعةٌ مِنْ شيخ في مجلسٍ واحدٍ حديثًا، ثم خرجوا مِنْ عنده، فحدثوا بما سمعوه منه، فخالفهم واحد منهم، فأتى بزيادة تُنافي ما اتَّفق عليه الجماعةُ، فإنَّ روايتهم تقدَّمُ على روايته للعلَّة التي تقدَّمت.
فإذا تقرّرَ (١) هذا، فالذين جزموا بأن الحسنَ البصريَّ لم يسمع مِنْ عليٍّ لما ثبت عندهم مِنْ أنَّ الحَسَنَ لما كان منشؤه بالمدينة النبوية حتى قتِلَ عثمان رضي اللَّه عنه، وله يومئذٍ أربعة عشر عامًا، لم ينقل عنه أنه طلب العلم، ولا تشاغل بسماع الحديث، فلما استخلف عليٌّ رضي اللَّه عنه، وخرج مِنَ المدينة إلى العراق بعد ثلاثة أشهر أو نحوها، استمرَّ الحسنُ بالمدينة، ولم يرجع عليٌّ رضي اللَّه عنه إليها، بل استمرَّ مشتغلًا بحربِ الذين خالفوه إلى أن قُتِلَ عليٌّ رضي اللَّه عنه بعد أربع سنين وثمانية أشهر مِنْ أوَّلِ خلافته، فتوجَّه في