للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فامتنع، فعادت رسله أن يأذن له أن يكسوها مِنْ داخلها فقط، فأبى، فعادت رسلُه أن يرسل الكسوة إليه، ويرسلها هو إلى الكعبة، ويكسوها ولو يومًا واحدًا، واعتذر بأنه نذر أن يكسوها، ويريد الوفاء بنذره، فاستفتى أهلَ العصر، فتوقَّف صاحبُ الترجمة في الإذن له، بل وأشار إلى أنَّه إن خشي منه الفتنة، فيُجاب دفعًا للضَّرر، وسارع جماعة (١) إلى عدم الجواز، غير مستندين إلى طائلٍ، بل موافقةً لهوى السُّلطان، ومات الأشرف برسباي على ذلك.

ومنه أنَّ القاضي جلال الدين البُلقيني -وهو من المختصين به- أفتى مرَّةً، وسُئل صاحب الترجمة هو والبساطي عن ذلك، فخالفاه معًا فيما أفتى به، وبلغه ذلك، فتغيَّر لكنه احتشم مع شيخنا، وإستضعف جانبَ غيره، رحمهم اللَّه.

وكنت أرى منه عجبًا في معرفة مقاصد السَّائلينِ مِنْ عباراتهم المعجرفةِ وحروفهم المقلَّبَة، وربما لا يتيسَّر له المراد، فيكتب تحت السؤال أو بجانبه: يكتبها طالبُ علم.

وقد يعلم أن مذهبه لا يوافق غرَضَ السَّائل، فيرشدُه لمن عده ما ينفعُه، أو يطلع على تعنُّتِ السَّائل، أو إرادته الإعلام بإتقانه تلك المسألةُ، واستيفاء المقال فيها، إلى غير ذلك مِنَ المقاصد التي يدخُلها الخللُ، فلا يكتب قصدًا لردع مَنْ هذا سبيلُه، لكن تركهُ الكتابة مع ذلك في النادر، واللَّه الموفق.

[خُطَبُه:]

وأمَّا خطبه، فكان لها صدع في القلوب، ويزداد وهو على المنبر مِنَ المهابة والنُّور والخَفَرِ ما لا أستطيع وصفه، بحيث كنتُ إذا نظرتُ إليه وهو على المنبر، يغلبِنُي البكاء، وربما أصلح القرينة إذا لم يرتَضِها وهو على المنبر.


(١) في (ط): "جماعته".