وعند عرض الإملاء قلَّ أن يخلو من إصلاح يفيده ابن حجر. ومن إجلاله له أنه كان يُوادعه إذا أراد سفرًا، ويهنئه بالسَّلامة إذا قدم.
والتمس صاحبُ الترجمة منه عند مجيئه لموادعته مرة تحديث أُمِّ أولاده وأكبر بناته بالحديث "المسلسل بالأولية" ففعل. وعرض عليه حينئذٍ شيخنا العلامة البرهان ابن خضر "العمدة" بإرشاد فقيهه الشيخ شمس الدين السعودي. وسمعت أن الحافظ الزاهد نور الدين الهيثمي كان مع الشيخ حينئذٍ، وتعجَّبتُ مِنْ عدم اشتراكه معه في الإسماع والعرض على عادتهما. ويقال: إنه كان مع دابَّة الشيخ، فإنه مع جلالته، كان كالخادم له رحمهم اللَّه وإيانا.
[تقي الدين الدِّجْوي]
ومنهم: العلامة الحُفَظَة تقي الدين أبو بكر الدِّجْوي.
قرأت بخطه على بعض تخاريج شيخنا صاحب الترجمة ما صورته:
أما بعد حمد اللَّه الذي اصطفى مَنْ وفَّقه لحفظ السُّنَّة، وسلك بطالبها طريقًا إلى الجنة، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الذي سنَّ الأحكام، فأحكم ما سنَّه، وعلى آل محمد وصحبه الذَّابِّين عنها بالألسنة والأسنة.
فقد وقفت على هذا التخريج البديع مثالًا، المنيع منالًا، الفائق حسنًا وجمالًا، فلم يدع لقائل مقالًا، إلا أن يقول:(هكذا هكذا وإلا فلا لا). فلقد أُوتي هذا بسطةً في العلم واللَّسْن، وكيف لا؟ وهو الإمام ابن الإمام أبو الفضل بن أبي الحسن. لقد بهر ابنُ حجر بفضله العقولَ والأفكار، كما فاق حَجَرُه الياقوت بل غيره من الحجَّار {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ}[البقرة: ٧٤]. فإنه جمع فأوعى، وأوعب جمعًا، وأبدع لفظًا (١) ومعنى، وجمع إحسانًا وحُسْنًا. فلو شاهد حسنه الجمالُ المِزِّيُّ، لأطنب في الثناء وأسهب، أو الذهبيُّ، لذهب في الإعجاب كلَّ مذهب، أو ابن عبد الهادي، لاهتدى به واقتفى أثره، أو ابن كثير، لكاثر ببعضه واستكثره. فشكرًا لهذا الإمام شكرًا، فلقد جمَّل مصره، وجدد لها في الحفاظ ذكرًا.