رربما سكن أيام النِّيل قريبًا مِنْ جامع البشيري، ويتوحه إليه الطلبة أيضًا هناك. وأسكَنَ الحلبيَّة في بعض الأوقات بجوار جامع سارُوجا.
وكانت أوقاتُه كلها مشحونة بالعبادة؛ إما بالعلم، أو الصَّلاة، أو التِّلاوة، أو الذكر، كما أسلفنا في أثناء الباب الثاني.
وقد رأيت الشَّيخ شمس الدين الصَّفِّي ضَبَط حين كان يسمع عليه ليلًا ما قرأ بهِ في العشاء في أسبوع، ففي يوم السبت: إذا زلزلت والعاديات، ويوم الأَحد: والشمس والليل، ويوم الإثنين: والضحى وألم نشرح، ومرة: الأعلى والماعون، ويوم الثلاثاء: والسماء والطارق ولئيلاف قريش، ويوم الأربعاء: التكوير والانفطار، ويوم الخميس ليلة الجمعة: مِنْ أول الكهف إلى "رشدًا""أفحسب الذين كفروا"، إلى آخر السورة.
وأمّا أنا، فسمعته يقرأ في الصبح مرَّةً بالقيامة والبلد، ومرة بالسَّجدة وهل أتى، وأخرى بالنَّبأ والنازعات، إلى غير ذلك.
قلت: وقد ورد في تعيين النَّظائر التي كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرِن بينها بالدُّخان والتكوير، وبالذَّاريات والطُّور، وبالنَّجم والرحمن، وباقتربت والحاقَّة، وبالواقعة ونون، وبسأل والنَّازعات، وبالمدَّثر والمزمِّل، وبلا أقسم وهل أتى، وبالمرسلات والنبأ، وبعبس والمطفِّفين.
وكان يُسدلُ يديه في القيام يسيرًا، ثم يجعلهما تحت صدره، وقال مرَّة: أنا أقرأ في ركعتين "مالك"، وفي ركعتين، "ملِك"، وكأنَّه يروم بذلك الجمع بين المذهبين.
[أوصافه الخِلْقيَّة:]
وأما شيء مِنْ أوصافه؛ فكان رحمه اللَّه تعالى ربعةً، أبيض اللَّونِ، منَّورَ الصُّورة، كثَّ اللحية، حَسَن الشَّيبة، مليح الشَّكل، صحيح السَّمعِ والبصر، ثابت الأسنان نقيَّها، صغير الفم، قويَّ البُنْيَةِ، عالي الهِمَّة، خفيف