ونحوه أن بعض أصحابه سأله: أأنت أحفظُ أم الذهبي؟ فسكت. وكان ذلك منه أيضًا تواضعًا؛ لأنه -رضي اللَّه عنه- حكى لنا أنَّه شرب ماء زمزم لما حجَّ في سنة ثمانمائة أو سنة خمس -الشك مني- لينال مرتبة الحافظ الذَّهبي المشار إليه. قال: ثم حججتُ بعد مدة تقرُب مِنْ عشرين سنة، فوجدت مِنْ نفسي طلبَ المزيدِ على تلك المنزلة، فسألت رتبةً أعلى منها. قال: فأرجو اللَّه أن أنال ذلك.
قلت: قد حقَّقَ اللَّه رجاءه، وشهد له بذلك غير واحد كما سيأتي.
ثم حكى لي الشيخ نور الدين ابن أبي اليُمن أنه سمعه في سنة إحدى وخمسين يقول: شربت ماء زمزم لثلاث: أحدها أن أنال مرتبة الحافظ الذهبي، فوجدت -بحمد اللَّه- أثر ذلك، وأن تيسر لي الكتابة على الفتاوى كشيخنا السِّراج البلقيني، حيث كان يكتب عليها مِنْ رأس القلم بغير مراجعة غالبًا، فيسَّر اللَّه تعالى لي ذلك، بحيث ضبطتُ المهِمّ من "فتاوى شهر"، فكان في مجلدة، سميتها "عجب الدهر"، كما سيأتي ذكرُ حكايتها في الباب الرابع. قال: ولم يذكر الثالث، وأحجم الجماعةُ عَنْ سؤاله عنه.
قلت: وقد شرب ماء زمزم لأمورٍ ثلاثةً أيضًا الحافظ الخطيب فيما أسنده إليه ابن عساكر، قال: شربتُ ماء زمزم ثلاث شربات، وسألت اللَّه تعالى ثلاث حاجات أخذًا بقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ماءُ زمزم لما شُرِبَ له"؛ فالحاجة الأُولى: التحديث "بتاريخ بغداد" بها، والثانية: الإملاء بجامع المنصور، والثالثة: الدفن عند بشرٍ الحافي. قال راويها: فقضيت.
[بل رُوي عن إمامنا الشافعي -رحمه اللَّه- أنه قال: شربتُه لثلاث: للرَّمْي، فكنت أصيب العشرة من العشرة، والسبعة من السبعة، وللعلم، فها أنا كما ترون، ولدخول الجنة، وأرجو حصول ذلك.
وكذا شربه ممَّن أدركتُه: الشمس ابن عمَّار أحد الأئمة - لأمور بلغها أو أكثرها.