يتحرَّى طريقته في الصَّلاة، ينام نصف الليل الأول، ويقوم ثُلُثَه، وينام سُدُسَه؛ لأنَّه ورد في الصَّحيح عَنْ نبيَّنا عليه أفضلُ الصَّلاة والسلام أنَّ ذلك أحبُّ الصلاة إلى اللَّه تعالى، كما صحَّ أنَّ صومه أحبُّ الصِّيام إلى اللَّه.
[[تلاوته للقرآن:]]
وأما تلاوته، فكان يُكثر منه -لا سيما في حال ركوبُه، وعقِبَ صلاة الصُّبح- بتدبُّرٍ وتأنٍّ وسكون، إذا مرَّ بآيةِ رحمة سأل، أو عذاب تعوَّذ.
ولقد صلَّيت معه المغرب، فقرأ في الركعتين بغالب سُورة الأعراف، وكان شَرَعَ فيها بناءً على قراءة السُّورة بتمامها، فإنَّه استأذن الجماعة، وكنَّا أربعةً أو ثلاثة، فقرأ ما يقتضي التَّخفيف.
وبتشاغله بالتلاوة في حال الرُّكوب كان يمتنع مِنَ السَّلام على كثير مِمن يراه، والأعمال بالنِّيَّات.
[[عيادته المرضى:]]
وأما عيادتُه للمرضى وشهودُ الجنائز، فكان حريصًا على ذلك، لا سيَّما مَنْ يلوذ به. ومَن لم يتيسَّر له عيادته منهم، تفقَّده بشيءٍ مِنَ الدُّنيا.
ولقد توعّكتُ مرَّةً، فأرسل نقيبَه القاضي شهاب الدين بن يعقوب إليَّ ومعه مبرَّةٌ، ثم صار كلَّ يوم يسأل مِنْ الوالد عَقِبَ صلاة الصبح -إذ كان ملازمًا للصلاة معه- عنِّي، حتى إنَّ الوالد اشتدَّ خوفُه عليَّ، وازدادت محبَّته فيَّ، لما رأى مِنْ كثرة سُؤال هذا العظيم المقدار عَنْ أقلِّ خُدَّامه.
وهكذا كان دأبُه رحمه اللَّه مع أتباعه، طال ما عاد عبد الغني العطَّار الذي كان جابيًا عنده، وغير ذلك ممَّا هو معدود عند العارف بالسُّنَّة العامل بها، في مناقبه ومفاخره.
نعم، لم يكن شديدَ الاستقصاء في تتبُّع ذلك؛ لعدم اتِّساع أوقاته له، ولقد أشار هو إلى ذلك، حيث قيل له عن القاضي بدر الدين البغدادي ومبالغته في التردد للأعيان وشبههم بسبب ذلك ونحوه، فقال: كلٌ ميسَّرٌ لما خلق له، أو كما قال.