للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[حديث الجسَّاسة]

كتب شيخُنا صاحبُ الترجمة إليه ما نصُّه: سألتم رضي اللَّه عنكم، وأدام لكم التوفيق، وأرشدكم إلى سواء الطريق، عن حديث فاطمة بنت قيس في الجسَّاسة، وهل فيه علَّةٌ لأجلها لم يخرِّجْهُ البخاري، فإنه لا يقال: تركه لأجلِ الطُّول، فإنه ليس في الباب شيءٌ يُغني عنه. وأيضًا فإن الصَّحابة رضي اللَّه عنهم اختلفوا وشكُّوا في ابنِ صيَّادٍ، حتَّى بعد موت النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلو سمعوا هذه الخُطبة، لما أشكل عليهم، ولا يمكن أن تكون فاطمةُ بنتُ قيسٍ رضي اللَّه عنها سمعته وحدها، أو هو أمرٌ خاصٌّ، بل هو أمر عام. انتهى.

والجواب أن هذا السؤال تضمَّن أمورًا:

أولها: لِمَ لَمْ يخرِّجْهُ البخاري، وانفرد مسلم بإخراجه؟.

فأقول: ليست له علَّة قادحة تقتضي تركَ البخاري لتخريجه، وطولُه لا يقتضي العدُولَ عنه، فإنه أخرج غيره مِنْ الطوال، ولم يختصرها في بعض المواضع، مع أن حاجته منها إنَّما هي ببعض الحديث، كما في حديث الإفك؛ حيث أخرجه بطوله في كتاب الشهادات في باب تعديل النساء. ومن جملة الطِّوالِ ما أكثره (١) مِنْ كلام الرَّاوي، لا مِنْ كلامِ الرَّسول عليه الصلاة والسلام، كما في حديث أبي سفيان رضي اللَّه عنه في قصَّة هرقل.

والذي عندي أنَّ البخاريِّ أعرضَ عنه لما وقع بين الصَّحابةِ رضي اللَّه عنهم في أمرِ ابنِ صيَّادِ. ويظهر لي أنِّه رجح عنده ما رجح عندَ عمرَ وجابر وغيرهما رضي اللَّه عنهم مِنْ أنَّ ابن صياد هو الدَّجالُ، وظاهرُ حديثِ فاطمةَ بنتِ قيس يأبى ذلك، فاقتصر على ما رجح عنه، وهو على ما يظهر بالاستقراء منْ صنيعه يُؤْثِرُ الأرجح، ممّا على الراجح، وهذا منه.

الأمر الثاني ممَّا يتضمَّنُه السؤال: الإشارة إلى أنَّ الصحابة رضي اللَّه عنهم لو سمعوا الخطبة التي نقلَتْها فاطمةُ بنتُ قيس، لما شكُّوا حتى بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ابن صياد.


(١) في (أ): "أذكره"، تحريف.