ضُحكةً لأُولي المعقولات، يَطنُزُون بنا، ويقولون: أهؤلاء هم أهل الحديث؟
وقال في موضع آخر -وقد نقل عن سفيان الثوري أنه قال: ليس طلب الحديث من عُدّة الموت، ولكنه علة يتشاغل به الرجال- ما نصه: لقد صدق فيما قال؛ لأن طلب الحديث شيء غير الحديث، وطلب الحديث اسمٌ عُرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهيَّة الحديث، وكثير منها مراقٍ إلى العلم، وأكثرها أمور يشغف بها المحدث، من تحصيل النُّسخ المليحة، وتطلب الإسناد العالي، وتكثير الشيوخ. والفرح بالألقاب، وتمنِّي العمر الطويل ليروي (١)، وحب الانفراد، إلى أمورٍ عديدة لازمةٍ للأغراض النفسانية، لا للأعمال الربّانية، فإذا كان طلبك للحديث النبويِّ محفوفًا بهذه الآفات، فمتى خلاصُك فيها إلى الإخلاص؟ وإذا كان علم الآثار مدخولًا، فما ظنُّك بعلوم الأوائل التي تَنْكُب الإيمان، وتورث الشكوك التي لم تكن -واللَّه- في عصر الصحابة والتابعين؟ بل كانت علومهم القرآن والحديث والفقه. انتهى.
[[أقسام علوم الحديث]]
وقال الإمام أبو شامة رحمه اللَّه: علوم الحديث الآن ثلاثة:
أشرفها: حفظ متونه، ومعرفة غريبها وفقهها.
والثاني: حفظ أسانيدها، ومعرفة رجالها، وتمييز صحيحها من سقيمها، وهذا كان مُهمًّا، وقد كفيه المشتغلُ بالعلم بما صُنِّف وأُلِّف في ذلك، فلا فائدة تدعو إلى تحصيل ما هو حاصل.
الثالث: جمعه وكتابته وسماعه، وتطريقه، وطلبُ العلو فيه، والرحلة بسببه إلى البلدان. والمشتغل بهذا مشتغل عما هو الأهمُّ من علومه النافعة، فضلًا عن العمل به الذي هو المطلوب الأول، قال اللَّه تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦]. إلا أن هذا لا بأس به للبطالين،