للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أشرتُ إلى هذه الاتِّفاقية في أواخر الباب الرابع (١).

وحكى لنا، قال: كان شيخا القاضي صدر الدين المناوي كثيرًا ما يجمعُ الطَّلبة ونحوهم على الطَّعام الفاخر. فاتَّفق أنَّه أحضِرَتْ له جارية ليختبِرَها فيما وُصِفَتْ عنده به مِنْ إتقان الطَّبخ حتى يشتريَها، فأمرها بطبخ ألوانٍ عُيِّنَتْ لها بعد أن أحضرَ لها جميعَ احتياجاتها على الهيئة المرضيَّة، بحيث لا يختلُّ بشيءٍ. ولمَّا انتهت مِنْ تهيئتها، ورأت الجاريةُ التي كانت قبلَها مِنْ ذلك ما حسدتها مِنْ أجله، أخذت صبرًا، ودارت على القدور فأشعلتها عن آخرها، والطَّبَّاخَةُ غافلةٌ عَنْ صنيعها، ووصل عِلْمُ ذلك للقاضي، فتغيَّر لطول مُكْثِ الجماعة بين يديه لانتظار الاستواء، فدبَّر نقيبه الأمرَ بمد السِّماط، وحين ينتهي وضع تلك الأطعمة يخير الجماعة بين التَّقدُّم للأكل أو النظر لأمر غريب، وهو إحضارُ شخصٍ واحدٍ يأكُلُ الجميع، ففعل ذلك، فاختاروا التفرُّج، وقدَّمُوه على الأكل، ففي الحال أحْضِرَ شخصٌ يسمَّى سرحان، فجلس في ذيل السِّماطِ، وشرع في الأكل حتَّى أتى على آخره، وما تمَّ ذلك حتى أمر القاضي بإحضار شواءٍ مِنَ السُّوق يكفي بجماعة فأكلوه، وتعجَّب كلٌّ منهم لصنيع سرحان.

قلت: وقد ترجم شيخُنا سرحان هذا في سنة اثنتين وتسعين مِنْ "إنبائه" (٢)، وقال: إنَّه كان مالكيًا عارفًا بمذهبه، أكولًا مهشورًا بذلك. انتهى.

وهو ممَّن أخذ عنه البدر بن الأمانة الفرائض، وأظنُّه كان إمام المالكية بالصَّالحية، وأحدَ سُكَّانها.

[[رغبته في العلم:]]

وأما شدَّة رغبته في العلم ومحبَّتُه في المذاكرة به والمباحثة فيه، فوراء العقل، مع كثرة الإنصاف ولو على نفسه، وعدم استنكاف سماع الفائدة ولو مِنْ صغار آحاد طلبته، بل يستحسِنُها ويأمرُ الحاضرين بسماعها، حتَّى رأيتُه


(١) ص ٦٥١.
(٢) انباء الغمر ٣/ ٣٩.