ومنه ما كتب به على "البديعية" لابن حجة أيضًا، فقال:
الحمد للَّه الذي أمر بتحميده، ووعد الشَّاكر لإحسانه بمزيده، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، شهادة مقرٍّ بتوحيده، معترف بكمال فضله وجوده، مخلص في الإيمان بوجوب وجوده، وأشهدُ أن محمدًا المصطفى سيد عبيده، وحامل لواء مدحه وتمجيده، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وجنوده.
أما بعد، فقد وقفتُ على هذه الجواهر المضيئة كالزواهر، والنوادر المنزهة للنواظر، وتأملت فصولها، فدخلت عليَّ المسرَّة من كل باب، وكرَّرت النَّظر في معانيها وصحة مبانيها، فما أخطأ منها شيءٌ صَوْبَ الصَّواب، فتبارك مَنْ خصَّ أبا بكر بالتَّقديم وإن تأخر زمان سيره، وناسب بين المادح والممدوح في هذه الخصوصية، ولا ريب أن أبا بكر أخصُّ بمحمَّد مِنْ غيره، دنا بفوائده من القلوب، فعقل مُجاريه قاص قاصر، ومهر فأمهر أبكار المعاني جواهر لفظه، فأكْرِمْ به في الحالين مِنْ ماهر، وسبق إلى غاية ما وراءها غاية، وأقام لطائفة الأدب إن اختلفت آراؤهم في البديع راية، فأمَّا الابتداء فما ألطف خبرُه، وأبهجَ ذهبه ودُرَرُه، وأمّا المخلص، فقسمه منه أوفر الأقسام، وحظُّه أتمُّ الحظوظ إذ اكتفى بمديح سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام، وأما المقطع، فهو أحسنُ مِنْ كلِّ ما في دار الطراز، وأقسم أنَّه في هذا الباب مُقدَّم، وسواه على الحقيقة مجاز.
وقد تجاسر العبدُ على تقريظها طوعًا لأوامر مخترعها، وامتثالًا لإشارة مُبدعها، فقدح زناد ذهنه الكابي، فما أورى ولا قدح، واستنار معثار إنسانه فكدح، واقترح على قريحته الطواعية بما يناسب مقامه، فقالت: ومتى بلغك الحظ بعض مقترح، فصلى وراء (١) هذا السابق مسلمًا، وأُصمِتَ ولو كان صدره بسيف العجز مُتكلمًا. وكيف لا، وقد كان ذهنُه ولم يزل متبلدًا، مع