للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أنه كان مِنْ مقاصد شيخنا الجميلة أنَّه إذا رأى مع شخص وظيفةً لا يستحقُّها، اجتهد في استنزاله عنها، ويباشرها قليلًا، ثم يرغبُ عنها لمن يستحقها، ممَّن يكون فقيرًا، إمَّا بالقدر الذي دفعه، أو أقل.

وممَّن فعل معه ذلك: الشيخ شهاب الدين الأموي، الشهير بابن المحمِّرة، حيث رغب له عن درس الفقه بالشيخونية كما تقدم بحقِّ الشطر مما بذله هو فيها، علمًا بحاله. وكذا فعل مع العلامة البدر بن الأمانة في درسي الحديث بالمنصورية والفقه بالكهاريّة، ونحوه إعطاؤه الجمالية للشُّمُنِّي على ما سبق.

[كل ذلك قصدًا لوضع الأشياء في مستحقِّها، وإنزال النَّاس منازلهم، ومع ذلك فبلغني عنه أنه كان يقول: لا أعلمُ الآن مِنْ دروس الحديث شيئًا مع مستحقِّه، هذا مع أنَّ ذلك الزمان لم يكد يبلغ المشاهدة في هذا الأوان، فاللَّه يُحسن العاقبة] (١).

ومن مبرَّاته الحسنة: إعطاؤه للشيخ شهاب الدين الكلوتاتي عَقِبَ نزوله عن تصوُّفه بالشَّيخونية تصوفًا بالخانقاه البيبرسية مجانًا، فلما عين الكلوتاتي في المحدثين بالمؤيَّديَّة، لزم تركه لها.

[[القضاء:]]

وأما القضاء، فكان يرحمه اللَّه- قد عَرَض عليه القاضي صدرُ الدِّين المناوي نيابة القضاء عنه قبل القرن، فامتنع، لأنه حينئذٍ كان لا يُؤثر على الاشتغال شيئًا، ثم ولَّاه المؤيَّد الحُكم في قضية خاصَّة، وهي بين الهروي قاضي الشَّافعية إذ ذاك، وبين أخصامه الخليليين والمقادسة، وذلك في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. ثم ألح عليه (٢) القاضي جلال الدين بن البلقيني في القبول عنه، وكان بينهما مِنَ الوُدِّ ما اشتهر، فقَبِلَ بعد تكرير السُّؤال من


(١) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
(٢) "عليه" ساقطة من (أ).