للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان مِنَ الغرباء الواصل إليهم برُّه ناصر (١) بن أحمد بن يوسف بن منصور البسكري، فإنه ممن لازم صاحب التَّرجمة مدَّةً طويلة، بل قال شيخنا في "معجمه": استفدتُ منه. ولهذا قال المشارُ إليه ما نصُّه: واتَّصلتُ بخدمة سيّدنا ومولانا، يعني صاحب الترجمة، فآنسَ الغُربة، وأنسَى الكُربة، وأحسن المعونة، وكفى المؤونة، وعمَّني خيرُه وبرُّه، ووسِعَني حِلْمُه وصبرُه.

وممَّن قدم عليه شخصٌ مِنْ الفُضلاء اسمه أسد اللَّه (٢)، فكان يتفقَّدُه كلَّ قليل بألفِ درهمٍ، فلما أراد الرُّجوعَ إلى بلاده، تكلَّم له شيخُنا ابنُ خضر مع صاحب الترجمة في إمداده بشيء، فكتب له وصولًا بثلاثمائة درهم، فحصل له ولمن توسَّل به تأثُّرٌ مِنْ ذلك، ولكنهما لم يجدا بُدًّا مِنْ قبضه وسافر، فحين وصوله إلى بيت المقدس تُوفِّي قبل نفاذ القدر المذكور فعُدَّ ذلك مِنْ كرامات صاحب الترجمة.

[برُّه لأهل مكة والمدينة:]

وأما أهلُ مكَّةَ والمدينة، فإنَّه لما حجَّ آخرَ حجَّاته، اقترض مِنْ بعض التجار هناك خمسمائة دينار أو أكثر، فتصدق بها عليهم، بل هو الذي قرَّر لهم المستجدَّ، وهو قدرٌ زائدٌ على ما كان لهم قديمًا، بل أحدث لهم أيضًا القدوم، وهو أنَّه عند ورود الواحد منهم إلى الديار المصرية، يُصرف له ما يناسبه على قدر مرتبته مما يحصُل له به غاية الارتفاق، فجزاه اللَّه خيرًا ورحمه.

وبلغني ممَّن أثِقُ به أنَّه دفع للشيخ العارف العلامة شمس الدين البوصيري، سرًّا فيما بينهما عند توجهه للحج في بعض المرات، وذلك قريبًا مِنْ سنة عشرين وثمانمائة، مالًا جزيلًا ليفرِّقه على فقراء مكة، وأسرَّ له أنَّ ذلك مِنْ وصيه ابن الكمَاخي. قال: فاشترى الشَّيخُ به دقيقًا، وفرَّقه على أهل مكة.


(١) في (ط): "ناصر الدين"، خطأ. وانظر الضوء اللامع ١٠/ ١٩٥ - ١٩٦.
(٢) هو أسد اللَّه بن لطف اللَّه بن روح اللَّه بن سلامة الكازووني ثم الشيرازي، مترجم في الضوء اللامع ٢/ ٢٧٩.