للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون ضبطه. فإذا ورد مثلُ ما رواه أو معناه مِنْ وجه آخرَ غلبَ على الظَّنِّ أنَّه ضبط، فكلَّما كثُر المتابعُ، قويَ الظَّنُّ، كما في أفراد التَّواتر، فإنَّ أوّلها مِنْ رواية الأفراد، ثمَّ لا يزالُ يكثُر إلى أن يُقْطعَ بصدق المرويِّ، ولا يستطيع سامِعُه أن يدفع ذلك عن نفسه.

وإذا تقرَّر ذلك، فقولُ ابنِ الجوزي ومن تبعه: الحديث الحسن ما كان فيه ضعْفٌ، كلامٌ صحيح في نفسه، لكنه ليس على طريقة التعاريف، فإنَّ هذه صفةُ الحديث الحسن الذي يُوصَفُ بالحَسَنِ إذا اعتضد بغيره، حتى لو انفرد لكان ضعيفًا، وإستمرَّ عدمُ الاحتجاج به حتى إذا عضده عاضِدٌ، ارتقى فحسن، بل يمكن هنا أن يقول هو صفة الَحَسَنِ مطلقًا أعمُّ مِنْ أن يكون وصف بالحَسَن لذاته أو لغيره. فالحَسَنُ لذاته إذا عارض الصَّحيحَ، كان مرجوحًا والصَّحيحُ راجحًا، فضعْفُه بالنسبة لما هو أرجَحُ منه، والحسن لغيره أصلُه ضعيفٌ، وإنما طرأ عليه الحُسْنُ بالعاضِدِ الذي عضده، فاحتُمِلَ لوجود العاضدِ، ولولا العاضِدُ لاستمرت صفةُ الضَّعف فيه كما تقدَّم، واللَّه تعالى أعلم.

وهنا انتهى الكلام على "الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة". وأستغفر اللَّه تعالى مِنْ خطأ وقع لي فيها أو خطل، وألتَمِسُ ممَّن وقف عليها أن يُصْلِحَ ما فيها مِنْ خلل، قاصدًا بذلك الإفادة، بلَّغَهُ اللَّه مرتبة الحسنى وزيادة، إنه على كل شيء قدير (١).

وأما الحلبيات:

فهي مِنْ أسئلة ابن الشَّيخ العلامة برهان الدين الحلبي مما يتعلَّق بالمبهمات ونحوها (٢).

فمنها ما ملخَّصُه: قول المزي: "البخاري" في الجهاد: عن


(١) وقد طبعت هذه الأسئلة بتحقيق محمد إبراهيم حفيظ اللَّه، ونشرتها الدار السلفية في بومباي بالهند سنة ١٤١٠ هـ - ١٩٨٩ م.
(٢) وهي المعروفة باسم "الأجوبة الواردة عن الأسئلة الوافدة". وطبعت بتصحيح عَمرو علي عمر في دار الثفافة العربية ١٤١٥ هـ. وهذا السؤال ورد في ص ٦٢ - ٦٥ منها.