سليمان بن حرب، عن محمد بن طلحة بن مصرِّف، عن أبيه، عنه، به.
ظاهر أنَّ الضَّمير في"عنه" لمصعب، وقوله: "به"، أي عن والده، فيكون موصولًا، فلعلَّه كان في الأصل عن مصعب، عن سعد، فتصحّف "عن"، فصارت "بن"، فهل يحسُن هذا جوابًا عَنْ قول النَّووي في "الرياض": هذا الحديث مرسل، وقد وصله البُرقاني في "صحيحه"؟
فأجاب: بأن الذي قاله النووي صحيحٌ، والذي اقتضاه صنيعُ المِزِّي خطأ، وقد وقع له في سياقه تغيير، فإن الذي في الأصل: عن محمد بن طلحة، عن طلحة، فغيَّره بقوله: عن محمد بن طلحة، عن أبيه، وهو بالمعنى، وفيه فائدة، ولكنه توهَّم أنَّه وقع كذلك في الأصل. نعم، هو في ذلك تابعٌ لأبي مسعود، فإنه قال في "الأطراف": البخاريُّ في الجهاد: عن سليمان بن حرب، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، لكنه لم يزِدْ على ذلك، فسلم مِن قوله: عنه به.
وبيان ذلك أنَّ جميع نسخ "البخاري" فيها: عن مصعب بن سعد، قال: رأى سعدٌ أن له فضلًا. . . إلى آخره. فدعوى التَّصحيف بعيدة، مع توارد النسخ على اختلاف أسانيدها إلى الفربري على ذلك.
فإن قيل: يحتمل أن يكون التَّصحيفُ وقع في نسخة الفِرَبْري، رُدَّ بأنَّه وقع في رواية إبراهيم بن معقل النَّسفي الراوي عن البخاري كما وقع عند الفِرَبْري، والنسخة مِنْ رواية ابن معقل وقفت عليها، وهي في غاية الإتقان، وعليها خطُّ أبي عمر بن عبد البَرِّ.
ثم، لو سَلِمَ التَّصحيفُ، لصار هكذا: عن مُصعب، عن سعد، أنَّ سعدًا. وهو إن كان سائغًا بأن يكون مِنْ نوع التَّجريد، لكنه خلاف الظَّاهر.
وقد سبق النَّوويَ إلى دعوى الإرسال فيه الحميديُّ في "جمعه"، ومنه نقل النَّوويُّ، وهذا لفظه: قال في أفراد "البخاري": الخامس: عن طلحة بن مصرِّف، عن مُصعب بن سعد. قال: رأى سعدٌ أنَّ له فضلًا على مَنْ دُونَه، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل تُنْصَرُون وتُرْزَقُون إلَّا بضُعفائكم". هكذا أخرجه