حاضر الحِسّ، يتمسَّكُ بقوانين الشرع ويدعو إليها، وينفر مِنْ مخالفتها، ويشغل الناسَ فيها مع تمسُّكه بالعبادة والمجاهدة، ومزج ذلك بمخالطة الشاغل غالبًا عنها، كالأزواج والأولاد. ومَنْ كان هذا سبيلُه، كان أكملَ مِنْ غيره، لأنَّها صفةُ صاحبِ الشريعة. ومن هنا قال تلك الكلمة المشهورة، لأنَّه لا يعرف في عصره مَنْ كان يساويه في الجمع بين هذه الكمالات.
وإذا تقرَّر هذا، فلا يضر ما وقع في هذه "البهجة" ممَّا نُسِبَ إليه، لأنَّه إن كان على قانون الشريعة، فنسبتُه إليه جائزة، وما عدا ذلك، إن كان ثابتًا عنه، حمل على أنه صدر عنه في حال غَيْبَةٍ ما، وإن كانت أحواله الغالبة، لم يكن له فيها غيبة. وان لم يكن ثابتًا، فالعُهْدَة على ناقله، والغرضُ تعظيمُ شأنه، وهو بلا شك يستحقُّ التعظيم. واللَّه يهدي مَنْ يشاء إلى صراط مستقيم.
ومنها: هل ورد عن الشيخ عبد القادر أنَّه حضر السَّماعَ الذي اتَّخذه الفُقراء بالدُّفوف والمواصيل وغيرها مِنْ الآلات، أو أمر بحضوره أو قال فيه شيئًا بإباحةٍ أو تحريمٍ؟
فأجاب: أمَّا الشَّيخ عبدُ القادر، فالذي وصل إلينا مِنْ أخباره الصَّحيحة أنه كان فقيهًا زاهدًا عابدًا، يتكلم على الناس ويرغِّبُهم في الزهد والتوبة، ويحذرهم مِنْ العقوبة على المعصية، فكان يتوب على يديه مِنَ الخلق مَنْ لا يُحصى كثرةً، وله كرامات مستفيضةٌ لم تنقَل لنا عَنْ أحدٍ مِنْ أهل عصره، ولا مِنْ بعدِه أكثر مما نُقِلَ عنه، ولا أعرف عنه في مسألة السماع بهذه الآلات شيئًا.
[حديث ازهد في الدنيا يحبك اللَّه]
ومنها أنه سئل عن حديث سهل بن سعد الساعدي رضي اللَّه عنه: جاء رجلٌ إلى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، دُلَّني على عمل إذا عملته أحبَّني اللَّه تعالى وأحبني الناس. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ازهد في الدنيا. . . " الحديث. هل هو حسنٌ كما قاله النووي، بل قال: أسانيده حسنة، أو ضعيفٌ كما