للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال صاحب التَّرجمة:

يا زاعمًا أني وليت فجُرت في ... حُكمي إذ ولَّوْهُ لم أكُ حائفا

قد كنتَ في أيام جوري آمنًا ... فاحذر أكُنْ أيَّامَ عَدلِكَ خائفا

وكان -رحمه اللَّه- مصمِّمًا على عدم الولاية للقضاء أصلًا، واتَّفق أنَّه قدم عليه العلامة أبو الفضل ابن الإمام التِّلمساني، وكان الآخرُ ملتزمًا أن لا يلي القضاء أصلًا، فقصَّ شيخُنا عليه منامًا رآه لنفسه، فعبَّره (١) له بأنَّه دالٌ على عدم ولايته القضاء. قال شيخنا: وليس في المنام ما يدلُّ على ذلك، غير أنه أحبَّ التَّفاؤل لي بذلك لما يحبُّه لنفسه، فلم يلبث أن أوقعَ (٢) القضاءُ والقدرُ كلَّ واحدٍ منَّا في الولاية، والأمرُ بيد اللَّه تعالى، يفعل ما يشاء. وقد قيل:

وَلِيتُ القضاءَ وَلَيْتَ القضاءَ ... لم يكن شيئًا تولَّيْتُهُ

فأوقعني في القضاءِ القضاءُ ... وما كُنْتُ قِدْمًا تمنَّيتُهُ

وأُخبرتُ عن القاضي جلال الدين البلقيني أنه قال يومًا لبعض أصحابه: إن مِتُّ، ترى كلًا مِنَ الولي العراقي والشهاب ابن حجر وأخي قاضيًا، فكان كذلك، رحمة اللَّه عليهم أجمعين.

[[آفات القضاء]]

وقد ندم شيخنا رحمه اللَّه على قبوله وظيفة القضاء، لكون أربابِ الدَّولةِ لا يفرِّقون بين أُولي الفضل وغيرهم، ويُبالغون في اللَّوم حيث رُدَّت إشاراتُهم، وإن لم تكن على وفق الحقِّ، بل يُعادون على ذلكَ، واحتياج القاضي بسببه إلى مداراة الكبير والصَّغير، بحيثُ لا يُمكنه مع ذلك القيامُ بكل ما يرومه على وجه العدل.


(١) في (أ، ب): "فعبر".
(٢) في (أ): "وقع".