الحمد للَّه الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، والصلاة والسلام على نبيه محمد سيد الأصفياء، وعلى آله وصحبه السادة الأتقياء، صلاةً وسلامًا دائمين (١) يستوجبان رتبة الأولياء.
وبعد، فإنَّ الأحاديث النبوية والآثار المحمدية، أصل العلوم بعد القرآن، وقاعدة الشريعة وأركان الإيمان، ومن أراد اللَّه تعالى به الخير، وحفظه من السوء والضَّيْر، وفَّقه لجمعها وتحريرها، وأرشده لتفهيمها وتقريرها، مخلصًا في ذلك النية والعمل، متجنبًا طريق الخطأ والزلل.
وكان ممن اعتنى بهذا الفن أعظم عناية إلى أن بلغ الغاية القصوى في الدراية والرواية، وفاق كثيرًا من الرجال، وحاز شرف الرتبة في الحال والمآل: شيخ الإسلام، وأوحدُ الأئمة الأعلام، حافظُ العصر، وخاتمة المجتهدين، قاضي القضاة، أبو الفضل شهاب الدين الشهير بابن حَجَر. حامل راية العلوم والأثر، فألَّف فيه كتابةً وقراءةً وسماعًا، وجمع فنونًا عديدة منه وأنواعًا، وحرر فيه ما لم يُسبق إليه، وصار المعوَّل في حفظ السنة النبوية وغيرها عليه، مع ما رزقه اللَّه من فرط الذكاء والتدقيق، ومن حاذق التعبير والتحقيق، فليس لأحد بعده إلى درجته وصول، ولا للقلب إلى كلام غيره مِنْ أهل عصره قبول، سارت بفضائله الرُّكبان، وشُدَّت إليه