واتفق أنَّ بعض الأعداء تكلَّم في جانب صاحب التَّرجمة بسبب التَّرِكَة المذكورة، وما دفع عَن نفسه بذلك، واللَّه يعلمُ المفسدَ مِنَ المصلح.
ومع إحسانه للغُرباء، كان يُنكر على أهل مصر مزيد إفراطهم في تعظيم مَنْ يرِدُ عليهم مِنَ الغرباء، مع إهمالهم لمَن هو في بلدهم ممَّن هو أرفعُ بكثيرٍ، حتَّى رأيته كتب بخطه في ترجمة ابن الفناري الذي قدِمَ مِنْ بلاد الرُّوم ما نصُّه: وأهل مصر كما قال فيهم أبو عبيد بن حربويه: (إنَّ البغَاثَ بأرضكم يَسْتَنْسِرُ). انتهى. والبُغَاث: قال في "الصحاح"(١) عن ابن السِّكِّيت: طائر أبْغَث إلى الغُبرَةِ دُوَين الرَّخَمة، بطيءُ الطيران. والمعنى: مِنْ جاوركم عزَّ بكم.
قلت: وصاحبُ التَّرجمة معذورٌ، فإنه بمجرَّد تحول الفلاح ونحوه مِنْ ذوي الكثافة وغلظ الطَّبع في إكرامهم ومزيد إنعامهم، بحيث يَنسى ما كان فيه مِنَ الذُّلِّ والخمول والأحوال التي شرح تفاصيلها يطولُ، يأخذ في عداوتهم، والفحص عمَّا لعلَّه يتَّفق مِنْ عثراتهم واحدًا بعد واحدٍ، ويلصق بأهل مصر كل ما يتخيَّلُه مِنَ المفاسد، وهذا ممَّا يشهد له قولُ إمامِنا الشَّافعي رحمه اللَّه: ما أكرمتُ أحدًا فوقَ مقدارِه، إلَّا اتَّضع مِنْ قدري عنده بمقدارِ ما أكرمتُه به.
ونحوه القول بأن ثلاثةً إن أكرمتهم أهانوك، منهم الفلاح.
[برُّه بشيوخه:]
وأما بره بشيوخه، فوراء العقل، حتى إنه همَّ بتتبع شيخه الحافظ نور الدين أبي الحسن الهيثمي في كتابه "مجمع الزوائد"، فبلغه أنَّ الشَّيخ تأثَّر مِنْ ذلك، فرجع مراعاةً لخاطره.
وكذا برُّه لأبناء شيوخه وذوي البيوت، بل طلبة العلم، فغير مُنكَرٍ، حتى ولو كان ابنُ الشَّيخ يُؤذيه. وباللَّه لقد همَّ الظاهر جقمق أن يفعل بكلٍّ