وقريب الشَّبَهِ مِنْ هذا: ضياعُ مجلَّدٍ مِنْ "تاريخ الإسلام" للذهبي مِنْ نسخة الزَّيني عبد الباسط، وهي بخطِّ البدر البِشْتَكي، وبلغه عِلْمُ ذلك ممَّن ضاع المجلَّدُ منه، رجاء تفريج الكرب منه بسببه، فبادر وأخذ ذلك المحلَّ مِنْ نُسخة الأصل مِنَ المحمودية، وتوجَّه به مع ورقه وأجرته للبِشْتَكي، فشرع في تكميله. واتَّفق أنَّه قبلَ انقضاءِ الكتابة، وجدَ المجلَّدَ، فامتنع شيخُنا مِنَ التَّمكين مِنْ إعلام البدر بذلك، لظنِّه أنَّ شهامةَ البدر تقتضي إرسالَ الورق والأُجرة، ويتعطل عليه ما كتبه، بل استمرَّ إلى أن فرَغ، ولم يُعْلِم بوجدان المجلَّد.
ونحوه استكتابه لجماعةٍ ممن ليس خطُّهم بالطَّائل، فإنَّه كاد فيما يغلِبُ على الظَّنِّ لا يقصِدُ إلَّا البِرَّ لهم بذلك. ومِنْ هذه الطَّائفة الشَّريف شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر السُّيوطي، البارع في الفرائض والحساب، والمعروفُ بالخِفَّة والانجماع الزائد، وهو أخو السَّيد صلاح الدِّين محمد، أحد الآخذين عنه، رحمهم اللَّه وإيانا.
ومن محبته لوصول الخير إلى العلماء ونحوهم أن النجم ابن حجِّي استنزل البرماوي عن درس التَّفسير بمائة دينار لصاحب الترجمة كما تقدَّم، وعن مشيخة الفخرية للبرهان البيجوري بخمسين دينارًا، وورد النُّزول بذلك على شيخنا، فأخفى عن البرهان العلم به حتى استكتب الناظر، وأخذ خطوط (١) المباشرين، وتوجَّه إليه بذلك فسُرَّ غاية السُّرور.
[[إحسانه للغرباء]]
وأخصُّ منه إحسانه للغرباء مِنْ الطلبة الوافدين إليه، وقد كانوا عنده على مراتب؛ منهم مَنْ يتفقَّده كلَّ قليل، ومنهم مِنْ يقررُ له شيئًا ينفقُه كل يوم، ومنهم مِنْ يتفقده عند قدُومه وعند سفره، ومنهم مَنْ يعلمُ عدمَ حَاجَتِهِ، لكنه يحبُّ إكرامه، فيهدي إليه إما شيئًا مِنْ تصانيفه أو ثيابًا مِنْ ملبوسه، وهذا يكون عند المهديِّ إليه أعظمَ مِنْ مفروحٍ به، إلى غير ذلك مِنَ الأقسام.