للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: كان زوجُ والدتي الشِّهاب أحمد بن قطب يجلِسُ بحانوتِ العُدول بميدان القمح، فرمت الجُلوسَ معه، فتأثَّرَ لذلك، وشكاني للوالدة، فألزَمَتْني بترك ذلك، فامتثَلْتُ أمرها، واتفق أنَّها ماتت بعدُ، فاستصْحَبْتُ عدم الجلوس معه إرعاءً لخاطرها بعد وفاتها قال: فكان صاحبُ التَّرجمة رحمه اللَّه يقول لي: قد شكرتُ صنيعَك في مراعاة خاطرِ والدتك بعدَ مماتها، وازددتُ فيك محبَّةً لذلك، وعتِبت على الشَّيخ وليِّ الدين محمد بن عبد اللَّه البُلقيني -يعني جدَّ البهاء أبي البقاء ابن القاضي علم الدِّين البُلقيني- مع محبَّتي له، كيف يسعى على قريبه الشِّهاب العجميِّ في قَضاء المحلَّةِ.

وكان رحمه اللَّه يبالغ في الاحتياطِ في إخراج زكاتِه وفِطْرَته، حتَّى إنه كان يأمر مِنْ يشتري له ليلة العيد مِنْ كلٍّ مِنَ القمح والزَّبيب والتَّمر ما يكونُ مجزئًا عنه وعن مَنْ تلزَمُه نفقَتُه.

وأما شفقتُه على خلق اللَّه تعالى

لا سيَّما طلبة العلم منهم: فأمرٌ يطولُ شرْحُه.

ومن ذلك حكايةُ المقترض لخمسين دينارًا بستين، كما سلفت قريبًا (١).

ومنه أن الشَّيخ غرس الدين (٢) خليل الحسيني كان قد استكتبه القاضي تاجُ الدِّين البُلقيني في كتاب استعاره مِنْ والده، وقُدِّرَ ضياعُه مِنْ تحتِ يدِ النَّاسخ، فخشِيَ مِنَ القاضي جلال الدين، وحكى ذلك لصاحب التَّرجمة، فقام معه في الفحص عنه مِنَ الكُتُبِيِّين ونحوهم، رجاء الظَّفرِ به، ليزول ما عند الغرس مِنَ الكَرْب بسببِ فَقده، وحرَصَ على ذلك أشدَّ الحِرْصِ، إلى أن غلبَ على ظنِّهِ اليأَسُ منه، فحينئذٍ حصَّلَ له منه نسخةً، وعاونه بوَرَقٍ أو ثمنه، حتَّى جدَّد منه نسخةً، فكان الشيخُ خليل رحمه اللَّه يذكرها في كل قليل في عدِّ حسناته وشفقته على أهل موداته.


(١) ص ١٠٠٩ مِنْ هذا الجزء.
(٢) في (أ): "عز الدين"، خطأ، وهي على الصواب مع الحكاية في هامش (ح) بخط المصنف.