للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هي لك دَيْنٌ عليَّ، ثم دفع إليَّ عشرين دينارًا. قال الشهاب: فلما كان الغد، حيثُ شيخُنا صاحب الترجمة، كما طلب المحبُّ منِّي، فلاطفني على العادة، وأجلسني بحذائه على السِّماط، فقلتُ له: معي رسالةٌ إليكم مِنْ فلانٍ، فقال: أهو موجودٌ، فلي مدَّةٌ ما رأيتُه؟ فقلت: إنَّ له الآن أربعَ سنين مُخْتَليًا، وقد جاءني بالأمس، وذكر لي شيئًا لا أحبُّ ذكره، فقال: قل، فقلتُ له: إنَّه قال لي: إن له معكم مائةَ ألفٍ، مع أنِّي سألته أن يرفَعَ عنِّي كُلْفَةَ تبليغ ذلك إليكم، فقال: لا تفعل، فإنه يُحِبُّ ذلك، فلما ذكرتُ ذلك، قال شيخَنا لي: فهل ذكر لك السَّببَ في ذلك؟ فقلت: نعم، وسكتُّ، فشرع يحكيه كما حكاه لي المحبُّ سواء، ثم قال عَقِبَ الحكاية: أرْسِلْهُ لي. انتهى. وهذه الحكاية ما سمعتُ في كرمه أبلغَ منها، فرحمه اللَّه.

وحضرت إليه مرَّةً جاريةٌ مِنْ معتَقاتِ وصيِّه ابن الخُّروبي ممَّن لها عليه نَوْعُ تربيةٍ وخدمةٍ، فشكت إليه حالها، فأعطاها عشرةَ آلاف درهم، وألزمها بإعلامها إيَّاه إذا فرَغَت، ليُرْدِفَها بغيرها، وبالغ في إكرامها، وأعلم الجماعة بما لها عليه مِنْ حقِّ التَّربية ونحو ذلك. هذا بعد أن قالت له: يا ابني يا أحمد، قد صِرْتَ إلى أمرٍ عظيم، أو نحو ذلك.

والتمس شخصٌ مِنَ الشَّيخ مدْين والشَّيخ عُبادة الإرسال إليه بسبب وفاء دَيْنٍ كان عليه، وهو أربعُونَ دينارًا، فلم يفعل ذلك، لعدم عِلْمِهما بصحَّة دعواه، فذهب هو بنفسه إليه، وأظهر انتسابًا لكلٍّ مِنَ الشَّيخين، ولوَّح بمعرفتهما بدَيْنِه، فلم يُكذِّبْ خبرَه، بل بادرَ ودفَع له عشرين دينارًا، وقال له: سل الشيخين (١) في إعلامي بحقيقةِ ذلك، وأنا أُكمل الباقي، فتوجَّه إليهما أيضًا، وحكى لهما ما اتفق، فزبرَه الشَّيخ عُبادة، وقال: إن لم تكفَّ عنَّا وإلا أرسلتُ إليه أنَّا لا نعلم صحَّة ذلك، أو كما قال.

وكان لمزيد رغبته في البِرِّ وصلة الرَّحِم، يميل لمن يبلغُه عنه ذلك، فحكى لي القاضي علاءُ الدين البلقيني حفيدُ شيخ الإسلام الجلال البُلقيني،


(١) في (ط): "الشيخين".