للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبثمانية دنانير برًّا لهم، وبنحوِ عشرةِ دنانير عَنِ النواجي ثمن "مشتبه النسبة"، فإنه كان اشتراه مِنَ التَّركة، فذهب نحوُ نصفِ المبلغ احتسابًا، مع أنَّه قال: إنَّ القدر المتأخِّرَ هو لهم، يشير إلى أنَّه يبرُّهُم به بعد ذلك شيئًا فشيئًا، واعتذر عَنْ عدم تركه بيد المتكلِّم.

وبلغه عَن شخصٍ مِنْ أصحابه أنَّه اقترض مِنْ بعضهم مبلغ خمسين دينارًا بستِّين، وارتهن عنده كتبًا، فتألَّم لذلك، ثم أمر شخصًا مِنْ جماعته بالتوجُّه للنَّقيب شهاب الدِّين بن يعقُوب، يأمرُه بدفع الخمسين لمن عنده الكتب، واسترجاعها منه، ففعل.

وأحواله -رحمه اللَّه- في ذلك كلِّه أشهرُ مِنْ أن تذكرَ.

وكان يأتيه في كل خميس شخصٌ، أظنُّه مِنْ أصحاب الأحوال، فيقفُ وهو راكب حمارًا خلف الشُّبَّاك المقابل لمحلِّ جلوسه بالمَنْكُوتمرية، ويقول بصوت شجيٍّ: يا فتاحُ يا رزَّاق يا كريم، أنت اللَّه، لا تجعل يا مسكين في قلبك إلا اللَّه، فيبادر بإخراجِ دراهمَ مِنْ جيبه، ويرسِلُها له.

وأغربُ ما بلغني في كرمه مما صحَّ عندي: ما أخبرنيه العلَّامةُ الشِّهابُ أبو الطَّيِّب الحجازي غير مرة، قال: بينما أنا في آخر يومٍ مِنْ رمضان بالقراسنقرية، إذ مرَّ بي صاحبي الشيخ محب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عُثمان الطُّوخي، وكان له أربع سنين منفردًا عَنِ النَّاس، فسلَّم عليَّ، وسألني: هل أتوجه في غد للسَّلام على صاحب الترجمة، فعرَّفتُه أنَّه لم تجرِ لي عادةٌ بالتَّهنئة في الأعياد والشُّهور، فقال: أُحِبُّ أن تفعلَ ذلك مِنْ أجلي، وتقول له: فلانٌ بأمارة ما لَهُ عندَك مائةُ ألفٍ يسلِّمُ عليك. قال الشِّهاب: فاستثقلتُ هذا، وقلت له: لا أحبُّ هذه الرسالة، فقال لي: افعل ذلك، فهو لا يكرَهُهُ، وشرع يحكي لي سببها، فقال: جئتُه يومًا، فسلَّمْتُ عليه، وشكوتُ له إفلاسًا، فقال لي: احتكِمْ عليَّ، فقلت له: مائة درهم. قال: فأفَّفني، وقال: ما ظنَنْتُ همَّتك تُؤدِّي إلى هذا وأنت رفيقي في الاشتغال وصاحبي، ومِنْ أهل الفضل، وقد أضمرتُ في خاطري أنَّكَ -واللَّه- لو طلبتَ مائة ألف، أعطيتكها، ولكن