للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصرَّح بأنه جنى على نفسه بتقليدِ أمرهم كما سيأتي كلامه (١) في قصيدته التي أجاب بها البدر ابن سلامة مِنَ المطارحات (٢)، والتي أجاب بها الصلاح الأسيوطي منَ الألغاز (٣)، بل وقع في أكثرِ ما علل به منعه قبول قضاء الشام ممَّا سيأتي قريبًا.

وسمعته يقول: إنَّ مِنْ آفات التَّلبُّس بالقضاء أنَّ بعضهم ارتحلَ إلى لقائي، وأنَّه بلغه في أثناء توجُّهه تلبُّسي بوظيفةِ القضاء فرجع. انتهى.

وبلغني أن السَّيِّد العارف باللَّه صفي الدين الإيجي عمّ أحد طلبة صاحب الترجمة صاحبنا السَّيِّد علاء الدين ممَّن اتَّفق له ذلك، [فإنه ارتحل مِنْ بلاده إلى لقاء شيخنا، فلما وصل بيتَ المقدسِ بلغه ذلك] (٤)، فرجع، واللَّه أعلم.

وكذا أخبرت عن الشيخ محمد البياتي المغربي أنَّه كان ممَّن يتردَّد إليه، ويأخذُ عنه، فلمَّا ولي القضاء، انجمع عنه، واللَّه تعالى يتجاوز عنه، فما كان مقصدُه إِلَّا جميلًا.

ولهم في فعلهم سَلَفٌ، فقد روينا عن العيشي، قال: حَدَّثَنَا الحمَّادان، أَنَّ ابن المبارك كان يتَّجِرُ ويقولُ: لولا خمسةٌ ما اتَّجرت: السُّفيانان وفُضيلٌ وابنُ السَّمَّاكِ وابنُ عُلَيَّة، فيَصِلُهم. فقدم سنةً، فقيل له: إنَّ ابنَ عُلية قد ولي القضاء، فلم يأتِهِ ولم يَصلْه، فركب ابن عُليَّة إليه، فلم يرفع به رأسًا فانصرف، فلما كان مِنَ الغدِ، كتب إليه رُقعةً يقول: قد كنتُ منتظرًا لبِرِّك، وجئتُكَ فلم تكلِّمني، فما رأيتَ مني؟ فقال ابنُ المبارك: يأبى هذا الرَّجلُ إِلَّا أن نقشِّر له العصا، ثم كتب إليه:

يا جاعِلَ العلمِ له بازيّا ... يصطاد أموال المساكينِ

احتَلْتَ للدُّنيا ولذَّاتِها ... بحيلة (٥) تذهب بالدِّينِ


(١) في (أ): "كلامًا".
(٢) ٢/ ٧٩٦.
(٣) ٢/ ٨٣٣.
(٤) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
(٥) في (ط): "بحيطة".