ولا شكَّ أنه مَنْ ليست له بصيرةٌ بنقد الرواة (١) ثمَّ قصد الإكثار، فإنَّه يصير حاطِبَ ليل يجمع الغثَّ والسَّمينَ وهو لا يدري، وهذا حال جامع "البهجة".
وقد ذكر أئمتنا لما يظهر مِنَ الخوارق ضابطًا يتميز به المقبولُ مِنَ المردود، فقالوا: إن كان الواقع ذلك له أو منه على المنهاج المستقيم، فهي كرامةٌ، كالشَّيخ عبد القادر، فقد قال شيخ الإسلام عز الدين بنُ عبد السلام: ما وصلت إلينا كرامةُ أحد بطريق التَّواتُر مثلما وصلت إلينا كرامات الشيخ عبد القادر. روينا هذا الكلام عنه بمعناه بسندٍ صحيح عن الحافظ شرف الدين علي بن محمد اليونيني أنَّه سمع ابنَ عبد السلام يقوله. وفي رواية للذهبي عنه، قيل له: مع ما عرفَ مِنَ اعتقاده -يعني مِنْ المسائل التي تخالِفُ فيها الحنابلة، والشيخ منهم- الأشاعرةَ، وابنُ عبد السلام منهم، فقال: نعم، إذ لازمُ المذهب ليس بلازم، وإن كانت الواقعة منه أوَّلَه على الوجه المباين للشَّريعة المطهَّرة، فليست فيها دلالة على الولاية ولا كرامة، فهذا هو الحدُّ الفارقُ بين الكرامة الدالَّة على الولاية والخارق الذي لا يدلُّ عليها، بل ربما دلَّ على ضدِّها كما يظهر في كثيرٍ مِنْ أحوال المبتدعة المتمسكين بما يُباين الأمور الشرعية، فإنها أحوالٌ شيطانيَّة لا يغتر بها إلَّا الجَهَلَةُ، وربَّما ظهرت مِنْ أُناس في حال غَيْبَتِهم وذهولِهم، وهو على قسمين:
مَنْ كان قبلَ ذلك على المَنْهَج القويم، فتلك كرامةٌ، ولكن لا يُقتدى بأقوال مِنْ هذا سبيلُه ولا بأفعاله، بل يعذر على ما يصدر منه لكونه في حال غَيْبَةِ عقله الذي هو مناطُ التَّكليف. والأوْلَى منعُ جَهَلَةِ العامَّة مِنْ ملازمة مثل هذا، لئلا يظنُّوا أنَّ الذي يصدُر منه في حال غيبته هو الحق فيقتدوا به، ومِنْ هُنا ضلَّ كثيرٌ منهم، وباللَّه التوفيق.
وإذا عرف ذلك، فالشيخُ عبد القادر لم يكن مِنْ هؤلاء، بل كان