للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما فيه من إبقاء سلسلة العنعنة المتَّصِلةِ بأشرف البشر -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهي من خصائص هذه الأمة.

قال: ومما يُزهِّد في ذلك، أن فيه يتشارك الصغير والكبير، والفَدْمُ والفاهم، والجاهل والعالم، وقد قال الأعمش: حديث يتداوله الفقهاء خيرٌ من حديث يتداوله الشيوخ.

ولام إنسانٌ أحمد رحمه اللَّه في حضور مجلس الشافعي رضي اللَّه عنه، وتركه مجلس سُفيان بن عُيَينة، فقال له أحمد: اسكت، فإن فاتك حديثٌ بعلوٍّ، تجده بنزول، ولا يضرُّك، وإن فاتك عقلُ هذا الفتى، أخافُ أن لا تجده. انتهى.

قال صاحب الترجمة: وهذا في بعضه نظر؛ لأن قوله: وهذا قد كفيه المشتغل بالعلم بما صُنِّف فيه، قد أنكره العلامة أبو جعفر بن الزبير وغيره، ويقال عليه: إن كان التصنيف في الفن يوجب الاتكال (١) على ذلك وعدم الاشتغال به، فالقول كذلك في الفن الأول، فإن فقه الحديث وغريبه لا يُحصى كم صُنِّف فيه، بل لو ادعى مُدّع أن التصانيف التي جمعت في ذلك أجمعُ من التصانيف التي جُمعت في تخيير الرجال، وكذا في تمييز الصحيح من السقيم لما أبْعَدَ، بل ذلك هو الواقع، فإن كان الاشتغال بالأول مُهِمًّا، فالاشتغال بالثاني أهمُّ، لأنه المرقاة إلى الأول، فمن أخلّ به، خلط السقيم بالصحيح، والمُعَدَّل بالجريح وهو لا يشعُر، وكفى بذلك عيبًا، فالحق أن كلًّا منهما في علم الحديث مُهمّ، ولا شك أن مَن جمعهما، حاز القدح المُعَلَّى، مع قصورٍ فيه إن أخلَّ بالثالث، ومن أخلّ بهما، فلا حظّ له في اسم الحافظ، ومن حرَّرَ الأول وأخلَّ بالثاني، كان بعيدًا من اسم المحدث عُرفًا، ومن حرر الثاني وأخل بالأول، لم يبعُد عنه اسم المحدّث، ولكن فيه نقص بالنسبة إلى الأولى.

وبقي الكلام في الفن الثالث، وهو السماع وما ذكر معه، ولا شك أنَّ


(١) في (ب): الإنكار.