للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ جمعه مع الفنَّين الأوّلين، كان أوفرَ سَهْمًا وأحظَّ قَسْمًا، ومن اقتصر عليه كان أبخس حظًّا وأبعد حفظًا، فمن جمع الأمور الثلاثة كان فقيهًا محدثًا كاملًا، ومن انفرد باثنين منها، كان دونه، وإن كان لا بدَّ مِنَ الاقتصار على اثنين، فليكن الأول والثاني، وهل يُسمّى محدّثًا أو لا؟ فيه تردُّد، وأما من اقتصر على الثاني والثالث، فهو محدّث صِرْفٌ لا حظَّ له في اسم الفقيه، كما أنَّ مَنِ انفرد بالأول، فلا حظَّ له في اسم المحدث كما ذكرنا، فهذا هو تحريرُ المقال في هذا الفصل، وطريقُ الإنصاف فيه.

قال: وقد وجدتُ لي فيما ذكرته بحثًا سلفًا من قول رجل من كبار أهل العلم والزهد، وهو أبو الفتح نصر بن أحمد المقدسي، الذي قال في حقه حجة الإسلام الغزاليّ في "منهاج العابدين" ما قال، حيث ذكر ما رواه الرامهُرمُزِيّ في "المحدث الفاصل" له، قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن محمد بن سهيل، حدثني رجلٌ ذكره من أهل العلم، قال: وقفتِ امرأةٌ على مجلس فيه يحيى بنُ معين (١)، وأبو خيثمة وخلف بن سالم، وجماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورواه فلان، وما حدَّث به غير (٢) فلان، فسألتهم عن الحائض تَغْسِلُ الموتى، وكانت غاسلة، فلم يُجبها أحد منهم، وجعل بعضُهم ينظرُ إلى بعضٍ، فأقبل أبو ثور إبراهيم بن خالد الفقيه، فقالوا لها: عليك بهذا المقبل، فالتفتت إليه وقد دنا منها، فسألته: فقال: نعم تَغْسِل، لحديث القاسم عن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليستْ حيضتُك في يدك"، ولقول عائشة: كت أفرق رأس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا حائضٌ، قال أبو ثور: فإذا فرقت رأس الحيِّ فالميتُ أولى. فقالوا: نعم، رواه فلان، وأخبرناه فلان، ونعرفه من طريق فلان، وخاضوا في الطُّرُق والروايات، فقالت المرأة: فأين كنتم إلى الآن؟

فقال الفقيه نصر: ليس هذا الذي وقع من يحيى بن معين (١) ورفقته بعَيْب فيهم؛ لأن اللَّه تعالى قد قسّم العلوم بين عباده، كما قسّم الأرزاق،


(١) في (ط) "سعيد"، تحريف.
(٢) في (أ): "عند" تحريف.