ثم قلت لنفسي: الأوْلَى أن أسألَ الشيخَ أبا الحسن عن جميع مَنْ في "كتاب ابن طاهر" رجلًا رجلًا، فتكون تلك الأسئلة لي. وهممتُ بذلك، لكن صرت في نفسي أزدري نفسي أنْ أُعَدَّ مع هؤلاء، وأتعجب كيف أصيرُ معدودًا فيمن سأل الدارقطني. ثم استيقظتُ ولا أتحققُ هل سألته عن شيء منها أم لا، رحمهم اللَّه تعالى.
والشاهدُ مِنْ هذا المنام قوله: لكن صِرْتُ في نفسي إلى آخره.
ولقد سأله الأمير الفاضل تَغْرِي بَرْمَش الفقيه -وهو من تلامذته- هل رأيت مثل نفسك، فقال: قال اللَّه تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[النجم: ٣٢]. انتهى.
وبهذا الجواب أجاب الدارقطني رجاءَ بن محمد المعدَّل، حيث قال: قلت للدارقطني: رأيتَ مثلَ نفسك؟ فقال: قال اللَّه تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}، فألححت عليه، فقال: لم أرَ أحدًا جمع ما جمعتُ.
وكذا وقع لابن عساكر أن أبا المواهب ابن صصْري قال له حين سمعه يقول، وتذاكَر الحفاظ الذين لقيَهم، فقال: أما ببغداد، فأبو عامر العبدري، وأما بأصبهان فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل الحافظ كان أشهرَ منه. قال أبو المواهب: فقلت له: فعلى هذا ما رأى سيدُنا مثلَ نفسه، فقال: لا تقُلْ هذا، قال اللَّه:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[النجم: ٣٢]، فقلت: وقد قال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى: ١١]. قال: نعم. لو قال قائل: إنَّ عيني لم تر مثلي، لصدق. قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله، ولا مَنِ اجتمع فيه ما اجتمعَ فيه، ثم بيَّن ذلك.
قلت: وأفْهَمَ جوابُ شيخنا أنه لم ير مثل نفسه، وإلا لكان يقول: رأيت فلانًا أو ما أشبهه.
ويدلُّ على أنه لم ير مثل نفسه، شهادةُ كلِّ مِنَ الحافظين الحلبي والفاسي وغيرهما له بذلك كما سيأتي.