للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم رأيت في ترجمة إسماعيل بن أحمد بن عبد اللَّه النيسابوري الحيري من "تاريخ الخطيب" (١): أنَّه قدِمَ حاجًّا في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وكان معه حِمْلُ كتب ليجاور، فرجع الناس لفساد الطَّريق، فعاد إلى نيسابور، وكان في جملة كتبه "البخاري"، قد سمعه من الكشميهني، فقرأت عليه جميعه في ثلاثة مجالس، اثنان منها في ليلتين، كنت أبتدىء بالقراءة وقت المغرب، وأقطعها عند صلاة الفجر. وقبل أن أقرأ الثالث عَبَرَ الشيخُ إلى الجانب الشرقيِّ مع القافلة، فمضيتُ إليه مع طائفة كانوا حضورًا للّيلتين الماضيتين، فقرأت عليه مِنْ ضحوة نهار إلى المغرب، ثم مِنَ المغرب إلى طلوع الفجر، ففرغ الكتاب، ورحل الشيخ صبيحتئذٍ.

وحكاها الذهبي في ترجمة الخطيب من "تاريخه"، فقال: إنه قرأه جميعه في ثلاثة مجالس. قال: وهذا شيءٌ لا أعلم أحدًا في زماننا يستطيعه.

ثم إنه إنما استدرك -رحمه اللَّه تعالى- جريًا على عادته في التأدُّب وتواضعًا، وإلا فقراءته أيضًا كانت كذلك.

وهكذا كان دأبه (٢) هضم نفسه على جاري عادة أهل العلم والدين، حتى إني سمعت مِنْ لفظه، وقرأته بخطه، أنه رأى في المنام سنة ثلاث عشرة وثمانمائة الدَّارقطني رجلًا طويلًا، لا أتحقق لون شعر لحيته: هل هو أشيبُ أم لا؟ فسألته عَنِ الأسئلة التي جمعها ابن طاهر مِنْ كلام مَنْ سأله عن أحوال الرجال وجوابه عن ذلك، فذكر لي أن أسئلة الحاكم له، أظنه قال: مستقيمة. وما أدري قال: السهمي أو السلمي كذلك. وسمى له (٣) آخر ثالثًا، ليس هو من الأربعة التي جمع ابنُ طاهر مسائلهم، وأشار إلى أن الأسئلة التي للبرقاني مختلة. فتعجَّبتُ مِنْ هذا في نفسي، وقلت: يا سبحان اللَّه! البرقاني أوثقُ هؤلاء الجماعة، كيف تكون أسئلتُه دون أسئلتهم!


(١) ٦/ ٣١٤.
(٢) في (ب، ط): "شأنه".
(٣) في (ب، ح): "لي".