وهو صغيرٌ، فقام إليه، واحتضنه قائلًا له: المؤمن محفوظٌ في ولده وولدِ ولدِه، وأجلسَه بجانبه.
وكان يرسل لبعض الفُقراء المعتقدين الكسوة وغيرها، وربَّما قدِمَ عليه بعضُهم ويدفع إليه الشَّيء اليسير مِنْ المأكول كالحمص ونحوه، فيأخذه منه تبركًا، ومرة أرسل لعياله مِنْ ذلك، وممن فعل معه ذلك الشَّيخ مُبارك، بل حكى لي السَّيدُ جلال الدين الجرواني النقيب أنَّ السَّبب كان في اعتقال إياه أنَّه حضر إليه مرَّةً، فلم يلتفت شيخنا إليه، بل أعرض عنه، فخرج وفهم منه شيخُنا التغيُّر. قال: وقدر أنَّه عزل بعد يسير، فأمر السيِّد أن يتلافى خاطر المشار إليه، فلم يزل يتتبَّعه حتى أحضره إليه، فاستدرك شيخُنا ما كان فاته مِنَ الإحسان إليه، واعتذر عَنْ فعلِه السَّابق، حتى رضي ودعا ثم انصرف.
وبالجملة، فكان في ذلك متوسِّط الحال، غير مُفْرِطٍ ولا مُفَرِّطٍ. نعم، كان ينكر على كثير مِنْ مكشوفي العورات المتضمِّخين في النَّجاسات، الناهبين البضائع مِنَ الطُّرقات، المتلذذين بالشَّهوات ممَّن لم يعْلَمْ صلاحه قبل هذه الحالات، ويقول: نصَّ أهل العِرفان مِنْ عُلماء الشأن على أنَّ مَنْ كان قبل طُروءِ مثل هذا على الكتاب والسُّنَّة، فهو واردٌ ربَّاني، وإلا فهو شيطانيُّ. ومَنْ يقدِرْ ينازع في هذا. نسأل اللَّه التوفيق. قال سيد الطائفة أبو القاسم الجنيد فيما رويناه عنه: طريقُنا مضبوطٌ بالكتاب والسُّنَّة، مِنْ لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، ولا يتفقَّه، لا يُقتدى به.
ونقل صاحب "مجمع الأحباب"، وهو الشَّريف الواسطي، عن الموفق ابن قدامة أنَّه سئل عَنْ هؤلاء المعتوهين الذين تمرُّ بهم أوقات الصلوات ولا يُصلُّون، فقال: هؤلاء قومٌ سلبهمُ اللَّه ما سلبَ، ووهب لهم ما وهبَ، فأسقط عنهم ما وجبَ لمَّا سلب.
وكذا كان يجهر بالإنكار على ابن عربي ومَنْ نحا نحوه، ويحكي مقالته الشَّنيعة في تفسير قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ (١) أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح: ٢٥]، ومذهبه القبيح في تفضيل الوليِّ على النَّبيِّ إذ يقول:
(١) في الأصول: "خطاياهم"، وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء.