للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسند الحنبلي" مِنْ تصانيفه: أما بعد، فقد قرأ عليَّ الفاضل البارع، الأصيل الباهر الماهر المحدث المفيد، جمال الطَّلبة، رأس المهرة، مفخر الحُفَّاظ، تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن الشَّيخ الإمام العلَّامة، جامع أشتات الفضائل، ذي الفنون المتكاثرة والأفنان المثمرة، جلال الدين عبد الواحد المرشدي المكي الحنفي، جميع هذه "الأطراف" التي لخَّصتُها مِنْ "مسند الإمام أحمد بن حنبل"، واستعنت في كثير منها بما رتَّبه الحافظ أبو بكر بن المحب، مع مزيد تحرير ومراجعة لجزء الحافظ أبي القاسم بن عساكر في التَّرتيب أيضًا، قراءةً حسنةً فصيحةً متقنة، يظهر في غضونها ما يشهد له بحُسن الاستحضار، ويتبيَّن في أثنائها ما يثبت له في هذا الشأن مزيد الإكثار، وقد أذِنْتُ له أن يحدِّثَ بهذا الكتاب عني وبجميع "المسند" بإسنادي فيه، وهو مذكورٌ في الخُطبة، وأن يروي عنِّي ما يجوزُ عني روايتُه مِنْ مسموع ومُجاز ومجموع، على اختلاف فُنونها وشهادة دواوينها.

وقد لازمني مدة رحلته في سنة تاريخه في مجالس الحديث ودروسه ومجالس الإملاء، وتحرير "شرح البخاري" ما هو في كلِّ ذلك يفيدُ فيجيد، ويستشكل، بحيث بهرتِ الجماعة فضائلُه، وشهدت بحقِّ الإجادة في الفن دلائله. وقد أذِنْتُ له أن يُفيد في علوم الحديث كلِّها مَنْ رام ذلك منه، ويقرئها ويقرِّرها لمن يلتمس الأخذ عنه، واللَّه تعالى أسأل أن يسلمه سفرًا وحضرًا، ويجمع له الخيراتِ زُمَرًا، إنه سميع مجيب.

وبلغني عن شيخنا أنَّه قال بعد موته: كنتُ أرجو أن يكونَ خلفًا ببلد الحجاز عن القاضي تقيّ الدين الفاسي، رحمهم اللَّه.

وكان نسيمُ الدين المذكور يقول في سنة اثنتين وثلاثين عن صاحبُ التَّرجمة: أرجو أن يعمَّر، لأنَّ عادة اللَّه عز وجل في خلقه أن تكون هذه السُّنَة النَّبويَّة محفوظةً بمن يذُبُّ عنها، ونحن لم نُشاهد إلى الآن مِنْ بَرَعَ في هذا الشأن ممَّن يخلُفُه فيه.