وتردَّد الأطباءُ لصاحب التَّرجمة، ولم يكن يرى استخدام أهل الذمة في ذلك، بل سمعتُه مرارًا يقول -وأظنه لغيره-: أيَأتَمِنُ المسلمونُ على أموالهم وأبدانهم أعداءهم؟ انتهى.
وصار هو ينظرُ في "القانون" وشبهَهُ مِنْ كتب الفنِّ، ويتكلَّم مَعَ أهله إذا حضروا عنده بأمتن كلام، حتى إنَّ ابن صَغِير -وهو مِنْ أفاضلهم- بلغني عنه أنَّه قال: وددت لو كنتُ لازمته في ذلك سنةً.
وكان مِنْ جملة مَنْ حضر إليه: أبو الفضل محمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد البجائي المغربي، الذي كان عاتبًا على الزَّمن وأهلِه، وانفرد بالطبع الذي قَلَّ مَنْ يشارِكُه فيه، وانكشفَ حالُه قبل مماته، لا سيَّما في أشرفِ بلادِ اللَّه، التي ذهب بعضُ الصحابة رضوانُ اللَّه عليهم إلى مضاعفة السَّيئات فيها كالحسنات، كما أخبرني به ثقاتُ أهلها، حتى مَنْ أخذَ عنه، كما بيَّنتُهُ في موضع غير هذا. وكان حضورُه عندَ صاحبُ التَّرجمة بعد أن تكرَّر على سمعه مِنَ الثَّناء عليه مِنْ بعض طلبته الذي تسلَّط على كتاب اللَّه بما قرَّره له على ما أخبر به أبو الفضل غير واحد ممَّن شافهني مِنْ قاعدة كُلِّيَّة -زعمَ- ينضبطُ بها المقصودُ، ممَّن عُرِفَ كلامه في السّخطِ والرِّضا، مبالغة زائدةً في وصفه، ممَّا كنتُ أستحيي مِنْ ذكره بين يديه، كقول القائل في حقِّه: لو اشتغلَ بحفظِ الرِّجال ونحوها مِنْ متعلِّقات الحديث ما كان بعد مُضِيِّ سنةٍ يلحق (١) في ذلك، فما كان إلَّا أن جلس ودار بينهما الكلام في شيءٍ مِنَ العلاج ونحوه، ظهر له أمرُه، وبيَّنَ ترجمتَه، لِمَنْ يثقُ به بعد مفارقته، ولا يقال: كيف عرف حاله مِنْ جلسة واحدة، لكون مثل ذلك لا يخفى على مثله.
وقد حقق لي أمرَه العلَّامةُ قاضي المذهب العز الحنبلي بما بسطتُه في مكان غير هذا، وكذا العلامة جمال الدين بن السَّابق الحموي، بل قال لي: إنَّه كان غلِطَ فيه في أول الأمر، ثم رجع إلى الصَّواب، وكشف حالَه حتى