للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت ساعة عظيمة، وأمرًا مهولًا، ووقع النَّوْحُ (١) في سائرِ النَّواحي مِنْ أصناف الخلق، حتَّى مِنْ أهل الذِّمَّة.

واجتمع في جنازته مِنَ الخلق مَنْ لا يحصيهم إلا اللَّه عز وجل، بحيث ما أظن كبير أحد مِنْ سائر النَّاس تخلَّفَ عَنْ شهودها. وقفلت الأسواقُ والدَّكاكين، ويقال: إنَّه حُزِرَ مِنْ مشى في جنازته بنحو خمسين ألف إنسان، وعندي أنَّه لا يتهيأ حصرُهم، ولا يُدْرَك حدُّهم (٢).

وقد احتجتُ للوضوء وأنا تُجاه الظَّاهرية القديمة في أوائل الجنازة، فدخلتها وتوضأتُ بعد دخول الطهارة، ثم ظهرتُ، فإذا الناس لم يتكامل اجتيازُهم.

وقد روينا عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، قال: حضرتُ جنازة أبي الفتح القوَّاس الزَّاهد مع الدارقطني، فلما نظر الدارقطنيُّ إلى ذلك الجَمْعِ الكثير، أقبل علينا، وقال: سمعتُ أبا سهل بن زياد القطان يقول: سمعتُ عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز. انتهى.

وقد حُزرَ مَنْ شهد جنازة صاحبُ هذه المقالة الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل، فكان عددًا بالغًا، بل قال ابنُ الصَّلاح: إنَّه قرأ بخط البيهقي في رواية ذكرها أنَّه أسلم يوم مات عشرون ألفًا مِنَ اليهود والنَّصارى والمجوس. قال: وهي في كتاب أبي نعيم، يعني "الحلية"، فقال عشرة آلاف، فاللَّه أعلم.

قلت: وتحدَّث الناسُ كثيرًا مِنَ الصُّلحاء وأرباب الأحوال بشهود الخَضِر (٣) وغيره جنازته، وسمعت ذلك مِنْ غير واحدٍ منهم.


(١) ومعلوم أن هذا الفعل مما نهينا عنه, بدلالة كثير مِنْ الأحاديث الواردة في ذلك، وقد أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه مِنْ فعل الجاهلية.
(٢) في (ب، ط): "عدُّهم".
(٣) هذا مما لا يصح، وقد كان صاحبُ التَّرجمة الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه لا يرى حياة الخضر عليه السلام، ويرجح وفاته قبل بعثة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد ألف في ذلك كتاب =