للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لرشده، لكان حيث فوَّتَ على الرَّجُلِ مِقصده أشار بمقبرة الصَّلاحية سعيد السُّعداء، ليتمكَّن أتباعُه مِنْ زيارة قبره كلَّ قليل مِنْ غير مزيدِ كُلفةٍ ولا نصب، ولكن الأمر بيد اللَّه تعالى يفعل ما يشاء. وما أحقَّه بقول القائل:

لم أنْسَ يَوْمَ تَهَادَتْ نعشُه أسَفًا ... أيدي الوَرَى وترامِيها على الكَفَنِ

كزَهرةٍ تَتَهَاداها الأكُفُّ فَلا ... يُقيمُ في رَاحَةٍ إلَّا على ظَعَنِ

وقد شوهد كذلك؛ كان النَّاسُ يتعلَّقُون ليدركوا النَّعش بأيديهم أو بمناديلهم، ثم يمسحون بها وُجُوهَهم، ويقول القائل:

عَجَبًا لقبر فيه بَحْرٌ زاخِرٌ ... عَجَبًا لبحرٍ لُفَّ في أكفانِ

وما أحسنَ قول القائل:

انْظُر إلى جَبل يَمْشِي الرِّجالُ به ... وانْظُر إلى القبر ما يَحْوي مِنَ الصَّلَفِ

وانْظُر إلى صارِم الإسْلامِ مُنْغَمِدًا ... وانْظُر إلى دُرِّةِ الإسلام في الصَّدَفِ

ولما انتهوا مِنْ دفنه، أخذوا في القراءة عنده بعد الذِّكر والابتهال في الدُّعاء له ساعة طويلة، وأقاموا على قبره أسبوعًا، تختم في كل يوم وليلة عنده ما شاء اللَّه مِنَ الخَتمات. فبطول النَّهار جماعة مِنْ طلبته يختم كلُّ واحدٍ منهُم القرآن غالبًا، ومِنَ العصر يأتي القُرَّاء ويكون ختمهم قُبيل الشمس، فلا يُحصى كم تُلِيَ على قبره مِنَ الختمات. وبلغني أن العلَّامة الجلال المحلي جمع جماعةَ بيتِه وقرؤوا ختمًا، وأهدوا ثوابه في صحيفته.

وقال الوُعَّاظ عند محلِّ دفنه ما عَمِلَ الشُّعراء فيه مِنْ المراثي وغير ذلك، وكثر الإنشاد لمرثيَّةِ الشَّيخ شهاب الدين الحجازي بخصوصها مِنْ الوعاظ والعامة، بحيث لم يشتهر غيرها. وأطعم بتُربته مِنَ المآكل وشبهها شيءٌ كثير.

وعند تمام الشَّهر فُرِّقَ على أكثر الطلبة مِنَ الذَّهب والفضة ما يفوقُ الوصف، ما بين عشرين دينارًا للشخص الواحد -وهم عددٌ يسير يأتي بيانهم- إلى نصفِ دينار.