للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظيمةُ الرَّغبة فيه، بحيث إنَّه لما تسرَّى وغضبت أمُّها الست سارة، كنت معه في ذلك أخفَّ حالًا مِنْ أمِّها، وبلغني أنَّها حينئذٍ عَتِبَتْهُ. فاعتذر بميله للأولاد الذكور، فدعت عليه أن لا يُرْزَقَ ولدًا عالمًا، فتألم لذلك، وخشي مِنْ دُعائها، وقال لها: أحرقتِ قلبي، أو كما قال. حكاه لي سبطُها، وقال: إنَّها كانت مجابةَ الدُّعاء، وإنها رأت ليلةَ القدر عيانًا.

وكانت وفاتُها في يوم الثلاثاء ثاني عشري (١) في ربيع الأول سنة سبع (٢) وستين وثماني مائة، وصُلِّيَ عليها بجامع المارداني، ودُفِنتْ بتربة سلفها بالقرب مِنْ الجامع المذكور عند أولادها، ولم تخلف بالنِّسبة لما كان في حوزتها إلَّا اليسير، لكونها كانت ذا عيال وحشمة، ولها مكارمُ، بحيث لا تزال تستدين وتنفقُ وتهَبُ وتعطي سِبطَها العطاءَ الجزيل، وولد ابن أختها، وسبط أختها، ومَنْ يدخلُ إليها مِنَ العجائز وغيرهن ممن يلُذْنَ بالرُّؤساء ونحوهم. ولو عاشت قليلًا، لانكشف الحال، ولكن جمَّلَ اللَّه ولطف، وما شك أنَّ ذلك حصل ببركةِ زوجها، بل مِنْ بركته أَنَّها خُطِبَتْ غير مرَّة، وأرسل لها القاضي علم الدين البُلقيني على يد ولده أبي البَقاء رحمهم اللَّه المهر، ذاكرًا أنَّه إنما قصد صونَ بيته (٣)، بجلالتها وما أشبه ذلك، فأقام عندَها المهرُ مدَّة، ويقال: إنَّها لم تكن تأبى ذلك، لكن عصمها اللَّه تعالى ببركة زوجها.

ولي في ذلك شائبة عمل، فإنِّي عند سماع ذلك حصل عندي انزعاجٌ كبير مِنْ أجل ما كان بين الشيخين رحمهما اللَّه تعالى، لا سيما وتزويجه بها يؤدي إلى سكناه بمنزله وغير ذلك، فاجتمعتُ به. وكان رحمه اللَّه سليم الباطن، فخيَّلته بأمور أبديتُها له، فصرَّح لي بالرجوع، ولم أجد عنده هو كبير اكتراث بذلك، وإنَّما الوسائطُ هم الآفاتُ.

وبالجملة، فأراد اللَّه تعالى بها خيرًا، فإنها إن شاء اللَّه تعالى تكونُ


(١) في (أ): "عشر".
(٢) "سبع" ساقطة مِنْ (أ).
(٣) في (أ): "بيتها".